متلازمة المحتال Imposter Syndrome

إنَّ الشعور بالإنجاز وتحقيق الانتصار لا يقدَّر بثمن، فنحن نستمدّ شغفنا وطاقتنا الهائلة من ولعنا بفكرة الوصول للأهداف والشعور بأنّنا مؤهلون لإدارة المهام المختلفة في حياتنا، وهذا قد يكون بمثابة دافع يساعدنا على التطوّر والتقدّم وتخطّي الصعوبات التي نواجهها، غير أنّ فئةً معيّنة يتملّكهم الشعور بأنّهم لا يستحقون التقدير العالي الذي يحصلون عليه، ولا يمكنهم حتى رؤية أنّ إنجازاتهم تستحقّ الذكر، فهل هذا طبيعي؟ وهل له علاقة بما يُعرف بمتلازمة المحتال؟ هذا ما سنتعرّف عليه في هذا المقال.

ما هي متلازمة المحتال؟

متلازمة المحتال(Imposter syndrome or fraud syndrome): هي تجربة نفسيّة داخليّة، لا تعتبر مرضًا نفسيًا بحدّ ذاتها، تظهر على صورة إحساس بالتصنّع أو الزيف أو الكذب في مجالات معيّنة في الحياة على الرغم من النجاح الذي يُحقَّق بالفعل، أي يُعاني المصاب بهذه المتلازمة من الشكّ في مهاراته وإنجازاته حتى في المجالات التي عادةً ما يتفوّق بها، كما يشعر بعدم امتلاكه القُدرة الكافيّة كما يعتقد الآخرين، وربما يعاني المصاب بمتلازمة المحتال أحيانًا من العصبيّة والهياج والقلق أو الاكتئاب، وقد يميل لتوجيه الكلام السلبيِّ  لنفسه. 

ما هي الأعراض المصاحبة لمتلازمة المحتال؟

تظهر على المصاب بمتلازمة المحتال أعراض معيّنة، منها:

  • يُعزي المصاب نجاحاته للحظ أو لمقدرة الآخرين، أو يفسّر نجاحاته على أنّها سوء تقدير من قِبل الآخرين ولا علاقة لها بقدراته الشخصيّة.
  • يعتقد بأنّه خدع الآخرين؛ لجعلهم يظنون بأنّه أكثر مهارة ممّا هو عليه بالأساس.
  • يمكنه ملاحظة أنّه يمرّ في دورة متكرّرة، يمكن تسميتها دورة المحتال، ويحدث ذلك عندما يبدأ الشخص بمهمّة معيّنة ويحضّر لها بشكلٍ مكثّف أو يبدأ بتأجيل الأعمال متبوعًا بالتخطيط بجنون، ولا يشعر بالارتياح إلّا عندما تنتهي المهمة بنجاح، وتبدأ هذه الدورة من جديد عندما تأتي مهمّة جديدة وتُثير مرةً أخرى مشاعر القلق والشك.
  • يعمل الشخص بجد، حتى يمنع الآخرين من ملاحظة إخفاقاته وفشله، أو لاستحقاق الدور الذي يظن بأنّه لا يستحقّه، أو تعويض ما يعتبره افتقارًا للذكاء، أو حتى يخفّف من الشعور بالذنب تجاه خداع الناس الذي يعتقد بحدوثه.

ما هي أنواع متلازمة المحتال؟

تُقسم متلازمة المحتال إلى خمسة أنواع رئيسيّة، أبرزها:

  • متوخّي الكمال(Perfectionist يشعر المصاب في هذه الحالة بأنّه مزيّف لاعتقاده بأنّه ليس جيّدًا بالقدر الذي يظنّه الآخرين، فهو يسعى للكمال باستمرار.
  • الخبير(The Expert إذ يشعر الشخص في هذه الحالة أنّه مزيّف ومحتال كونه لا يعلم كلّ شيء عن موضوع أو شيء معيّن، أو أنّه لم يصل إلى مرحلة إتقان كلّ الخطوات في عمليّة معيّنة، فلا يشعر بأنّه وصل إلى منزلة الخبير.
  • العبقري الطبيعي(The Natural Genius يشعر المصاب بهذا النوع من متلازمة المحتال بأنّه مزيّف، كونه لا يمتلك الذكاء أو المقدرة الطبيعيّة التي تؤهله.
  • العازف(The Soloist وفي هذه الحالة يشعر الشخص بأنّه محتال في حال لجأ إلى طلب المساعدة للوصول إلى مستوى أو حالة معيّنة، فهو يشكّك في قدرته لمجرّد أنّه لم يصل لما يريد بنفسه.
  • الشخص الخارق(The Superperson ينطوي هذا النوع من متلازمة المحتال على الاعتقاد بضرورة الوصول إلى أعلى مستوى مُمكن من الإنجاز، فيبذل جهدًا كبيرًا لتحقيق ذلك، وإلّا فلن يرضى عن نفسه ويلازمه شعور بأنّه محتال.

ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بمتلازمة المحتال؟

لا يوجد سبب مُحدّد لحدوث متلازمة المحتال، غير أنّ مجموعةً من العوامل قد تكون محفّزة لظهور هذه المتلازمة لدى البعض، منها:

  • طبيعة التربية والبيئة التي يعيش فيها الشخص في مرحلة الطفولة: إذ قد يساعد على ظهور متلازمة المحتال ميل الوالدين لمقارنة الطفل بإخوته، أو ضغطه نفسيًّا لرفع الأداء الدراسيّ، أو تعريضه للنقد الشديد بسبب أخطائه، أو الإفراط في حمايته أو التحكم به، كما أنّ النجاح الأكاديمي في مرحلة الطفولة قد يُسهم في تعزيز ظهور متلازمة المحتال لاحقًا.
  • سمات الشخصيّة: إذ يربِط بعض الخبراء وجود سمات معيّنة في الشخصيّة بالمشاعر التي تتولّد في حالات متلازمة المحتال، منها ضعف الثّقة بالنفس، والميل نحو الكمال، وتسجيل علامات منخفضة على مقياس الوعي.
  • وجود مشكلات نفسيّة معيّنة: إذ قد يتسبّب الاكتئاب والقلق في إثارة مشاعر الشكّ في النفس، وضعف الثقة، والقلق حول نظرة الآخرين، وهو ما قد يعزّز فكرة عدم الانتماء لمجال أو موقع معيّن لعدم الاستحقاق.
  • تولّي مسؤوليات جديدة: فأحيانًا يشعر الشخص بأنّه لا يستحقّ الفرصة التي حصل عليها أكاديميًّا أو مهنيًّا، وقد ينتابه القلق والاعتقاد بأنّ قدراته لن تكون بكفاءة القدرات التي يتمتّع بها زملاؤه.

كيف تؤثر متلازمة المحتال على المصاب بها؟

الشعور بأنّك مزيّف قد يؤثّر عليك بطرق عِدة، منها:

  • الآثار المهنيّة: قد تقل احتماليّة طلبك للترقيّة أو الترفيع في حال كنت تعتقد بأنّ نجاحك المهنيّ هو مجرّد ضربة حظ ولا يتعلّق بمهاراتك، وقد تجد نفسك تُفرط في العمل بجدّ لتحقيق أعلى المقاييس التي وضعتها لنفسك والتي غالبًا ما تكون غير منطقيّة.
  • الآثار الأكاديميّة: فمن المحتمل أن يتجنّب الشخص الذي يعاني متلازمة المحتال توجيه الأسئلة أو رفع صوته والتعبير عن رأيه في الصف؛ خوفًا من اعتقاد الآخرين بأنّه أحمق.
  • الآثار في العلاقات: قد يشعر الشخص بعدم قدرته على اتخاذ القرارات التي تتعلّق بالتربية؛ لخوفه الشديد من تخريب حياة طفله، عدا عن ذلك، يعاني البعض من صعوبة تقبّل فكرة استحقاقه لوجود علاقة بينه وبين الشريك، وهو ما قد يُدمر هذه العلاقة وينهيها.

ما هي الصور(الأمثلة) التي تظهر بها متلازمة المحتال؟

يوجد العديد من الأمثلة التي قد توضّح كيفيّة انعكاس الإصابة بمتلازمة المحتال على الحياة اليوميّة، ومنها:

  • بدأت عملك الخاص، ولكنّك تتجنّب الترويج لنفسك لاعتقادك بأنّك لا تمتلك مستوى الخبرة ذاته الذي يمتلكه الآخرين في مجال عملك، وتشعر بأنّ الترويج لنفسك يجعلك شخصًا محتالًا.
  • تعمل في مهمّة معيّنة لشهورٍ عِدّة، ولكنّك تشعر بأنّك مزيّف ومحتال عندما يبدأ الناس بمناداتك بلقبك الرسميّ في العمل، ظنًّا منك أنّك لا ترقى لمستوى الموقع الذي تشغله.
  • رُشّحت لاستلام جائزة، ولكنّك تشعر بأنّك محتال كونك تعتقد بأنّ إنجازاتك ليست جيدة بما يكفي لترشّحك لأخذ هذه الجائزة.

هل يمكن تشخيص متلازمة المحتال؟

لا تعتبر متلازمة المحتال اضطرابًا نفسيًا رسميًا يُمكن تشخيصه ومسجّل في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقليّة (DSM)، لذلك لا يمكن تشخيص الإصابة بمتلازمة المحتال، ولكن قد يعاني المصاب بمتلازمة المحتال من مشكلات نفسيّة أخرى، مثل الاكتئاب، والقلق. 

ما هي الكيفيّة التي يتم من خلالها التعامل مع متلازمة المحتال؟

يمكنك اتّباع مجموعة من الاستراتيجيّات للتغلّب على الشعور بالزيف والخداع إذا كنت تعاني من متلازمة المحتال:

  • اعترف بمشاعرك وميّزها، وابدأ بالتحدّث إلى صديقٍ موثوق أو موجّهٍ واعٍ حول مشاعر الضيق التي تعانيها، إذ قد يساعدك مشاركة المشاعر السلبيّة التي تمرّ بها مع الآخرين على تخفيف الشعور بالارتباك والتخبّط.
  • حاول بناء العلاقات، وتواصل مع الآخرين، وفوّض المهام لزملائك ورفقائك في العمل بدلًا من الهوس بفكرة القيام بكلّ شيء وحدك، فبإمكانهم تشجيعك وتقديم الدعم لك عند حاجتك له، وتذكّر دائمًا أنّك لن تتمكّن من تحقيق كلّ شيء وحدك.
  • احرص على تحدّي الشكوك التي تتملّكك، إذ يمكنك التأكد من وجود أيّ أساس يدعم صحّة اعتقادك، والبحث عن دليل يعكس ما تحاول الشكّ فيه، فعلى سبيل المثال، إذا كنت تشعر بأنّ الترقية التي تودّ الحصول عليها ليست مناسبة لك ولا تستحقها، أو أنّ زملاءك يقدمون لك الدعم والتشجيع للتقدّم لهذا المنصب بسبب شعورهم بالأسف لأجلك، اقنع نفسك بأنّ خداع كافّة الزملاء في العمل سيكون أمرًا صعبًا عليك بل ومستحيلًا، و لن يمرّ تهاونك في عملك فترة طويلة دون ملاحظة من الآخرين.
  • تجنّب قدر الإمكان مقارنة نفسك بالآخرين، فعدم تفوّقك في كلّ المهام لا يعني بالضرورة أنّ عليك أن تكون متفوّقًا فيها، ولا أحد يمكنه ذلك أيضًا، إذ أنّ لكلّ شخص مزايا وقدرات خاصّة تميّزه، ولا بأس بأن تستغرق بعض الوقت في تعلّم مهارات جديدة تمكّنك من إنجاز مهمّتك.
  • دوّن على ورقة كافّة الإنجازات التي حققتها، أو احفظ المذكرات والإيميلات الي توضّح إنجازاتك وضعها على مقربة منك دائمًا للاطلاع عليها عندما ينتابك شعور بأنّك محتال.
  • حاول فصل مشاعرك عن الواقع، وكُن مستعدًا لملاحظة هذه المشاعر والاستجابة لها، والتعامل معها على أنّها مجرّد عواطف ومشاعر ولا يجب أن تؤثّر عليك بهذه الطريقة، وأنّ بإمكانك النجاح.
  • تغلّب على مشاعرك السلبيّة تدريجيًّا، فمثلًا، لا تركّز على تحقيق الكمال بل على إنجاز الأمور بشكلٍ جيّد ومنطقيّ، وكافئ نفسك على ذلك.
  • استخدم وسائل التواصل الاجتماعي باعتدال، إذ يُعرف بأنّ الإفراط في مشاركة الصور والأحداث على وسائل التواصل الاجتماعي يعزّز الشعور بالدونيّة وأنّك لن تقدر على مواكبة المقاييس المرغوبة.
  • حاول مساعدة الآخرين الذين يمرون في تجربة تُشبه تجربتك، ساعدهم على الانضمام للمجموعة إذا كنت تلاحظ عليهم الشعور بالوحدة والغرابة، فقيامك بذلك يسهّل عليك بناء الثقة بقدراتك.
  • ثقف نفسك حول متلازمة المحتال وتعلّم كلّ شيء يخصّها، وتذكّر بأنّ المخادعين الحقيقيين لا يعانون من متلازمة المحتال.

وفي الختام، النجاح لا يتطلب الوصول لمرحلة الكمال، فمن المستحيل عمليًّا أن تحقّق الكمال في مهامّك التي تتولّى إنجازها يوميًّا، وهذا لا يجعلك محتالًا، حاول الابتعاد عن الشكّ في نفسك وقدراتك والتقليل من شأن نفسك، بل كن واعيًّا لإمكانيّاتك ومهاراتك في مختلف المجالات، أمّا إذا كنت تعاني من استمرار مشاعر الاحتيال التي تؤثر على حياتك وتقدّمك، فيمكنك مراجعة المعالج النفسيّ الذي يساعدك على تخفيف القلق والاكتئاب والضغوطات النفسيّة، والتغلب على مشاعر الإحساس بعدم الاستحقاق، وتحدّي المعتقدات غير المرغوب بها.

*** تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق المحتوى.

المراجع:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top