كثيرًا ما نواجه في حياتنا أشخاص غير قادرين على تحمّل المسؤوليّة وتكوين حياة خاصّة بهم، نشعر بعدم نضجهم رغم بلوغهم السن الذي يتطلّب منهم بناء أسرة والالتزام بمهام ووظائف متعدّدة، وفي حقيقة الحال قد نشعر أحيانًا بأنّنا غير قادرين على إنجاز المهام المطلوبة منّا، فنعمد إلى ترك كل شيء دفعةً واحدة وعدم القيام بأيّة أعمال، ولكن، إنَّ الأشخاص الذين يعانون من عدم النضج يتّبعون نمط حياة يتّسم بانعدام المسؤوليّة ويؤثّر عليهم سلبًا، وهذا ما يُطلق عليه اسم متلازمة “بيتر بان”، التي سنتعرّفُ أكثر حولها في محاور هذا المقال.
ما هي متلازمة بيتر بان؟
متلازمة بيتر بان (Peter Pan Syndrome)، هي متلازمة تصِف الأشخاص الذين يواجهون صعوبةً في النضّج وتحمّل المسؤوليّات التي تُطلب عادةً من البالغين، مثل الاحتفاظ بوظيفة، وبناء علاقات اجتماعيّة وعاطفيّة صحيّة، خاصةً وأنّ هؤلاء الأشخاص لديهم صعوبةٌ في التعبير عن عواطفهم.
ويُشار إلى أنّ متلازمة بيتر بان لا تُصنّف على أنها تشخيص رسمي معتمد، ولم تُحدّد في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقليّة، الإصدار الخامس (DSM-5)، وإنّما هي مصطلح غير رسمي يستخدمه بعض الأخصائيّين النفسيّين، وقد أُطلق على متلازمة بيتر بان هذا الاسم نسبةً للشخصيّة الخياليّة التي ابتكرها جيمس ماثيو باري في عام 1902 ميلادي، والمعروفة بـاسم “بيتر بان” -الصبي الذي لم ينضج بتاتًا-.
ما هي علامات متلازمة بيتر بان؟
تختلف أعراض وعلامات الإصابة بمتلازمة بيتر بان بشكلٍ كبير من شخصٍ لآخر، إذ تتراوح أعراضها بين الخفيفة والشديدة، كما أنّها قد تكون مستمرّة طوال الوقت، أو تظهر في بعض المواقف والحوادث المتفرّقة.
ومن أعراض وعلامات متلازمة بيتر بان:
السمات الشخصية، ومن أبرزها:
- الميل لعدم الشعور بالقلق.
- شخصيّة مغامرة.
- عدم تحديد الأهداف الحياتيّة والمهنيّة.
- الميل إلى السلوك الاندفاعي أو التلقائي العفوي.
- انخفاض مستوى الذكاء والنضج العاطفي.
السمات السلوكية، ومن هذه السمات:
- كثرة إلقاء اللوم.
- كثير العبث والأنانيّة.
- مواجهة تحدّيات تتعلق بالتوظيف والمهنة عمومًا.
- التسويف الكثير.
- تجنّب النقد، والخوف من تلقّي النقد السلبي.
- الاعتماد على الآخرين بكثرة، ووجود توقّعات بأنّ الآخرين سوف يعتنون به.
- قضاء الوقت مع أقران يتّسمون بنفس سمات الشخصيّة تقريبًا.
- عدم الشعور بالراحة عند الالتزام.
- صعوبة تنظيم الشؤون الماليّة.
- حدوث انفجارات عاطفيّة.
- وجود نمط واضح من تعاطي المخدّرات بهدف الهروب من المواقف الصعبة أو المسؤوليّات.
وفق كتاب ” Men Who Never Grow Up” الذي صدر في عام 1997 ميلادي، أشار دان كيلي إلى 7 سمات تُميّز الشخص الذي يعاني متلازمة بيتر بان، ومن هذه السّمات:
– البطء، فقد يكون الشخص مماطلًا في إنجاز المهام وغير مبالٍ.
– الشلل العاطفي، فقد يعبّر الأشخاص عن مشاعرهم بطريقة غير مناسبة أو غير واضحة تمامًا.
– تجنّب تحمل المسؤوليّة، فهم غالبًا لا يتحملون المسؤوليّة عن أخطائهم وقد يلومون الآخرين على أشياء تحدث بسببهم.
– مشكلات في العلاقات، فقد يكون الشخص قد تعرّض إلى صعوبات في علاقاته مع والدته ويتعامل مع شريكه العاطفيّ كما لو كان والدته، كذلك قد يواجه صعوبة في التعامل مع الشخصيّات الذكوريّة المتسلطة، أمّا بالنسبة للعلاقات العاطفيّة، فهو قد يخاف الرفض من شريكه، ويرغب دائمًا بشريك يمكنه الاعتماد عليه.
ما هي العلامات التي تظهر في علاقات الأشخاص المصابين بمتلازمة بيتر بان؟
إذا كان شريكك مصابًا بمتلازمة بيتر بان فهو غالبًا ما:
- يهمل الواجبات المنزليّة ومسؤوليّات رعاية الأبناء.
- يتركك تتّخذ القرارات الصعبة وتخطّط للأنشطة.
- يُظهر علامات عدم التواجد عاطفيًّا، مثل عدم رغبته في تعريف العلاقة أو تسميتها.
- يفضّل عيش اللحظة وعدم الاهتمام كثيرًا بالخطط طويلة الأمد.
- رفضه المتواصل معالجة مشكلات العلاقة بطرق أكثر إيجابيّة.
- إنفاق الأموال بطريقة غير حكيمة رغم وجود مشكلات ماليّة.
ما هي العلامات المرتبطة بالعمل للأشخاص المصابين بمتلازمة بيتر بان؟
المعاناة من مشكلات تتعلق بالوظيفة أو المهنة هي من العلامات والأعراض التي يعانيها المصاب بمتلازمة بيتر بان، ومن أهم الأعراض التي تظهر هنا:
- بذل القليل جدًّا من الجهد في البحث عن وظيفة مناسبة.
- الالتزام بالأعمال التي تعتمد نظام العمل الجزئيّ، وعدم الاهتمام بالترقيّات في مجال العمل.
- بالنظر إلى تاريخه السابق المتعلّق بالوظيفة فهو دائمًا ما يفقد وظيفته بسبب تأخير الأعمال أو قِلّة بذل الجهد.
- ترك العمل باستمرار عند الشعور بالملل أو الضغط النفسي أو التحدّي.
- الانتقال من مجال عمل إلى آخر دون بذل الجهد في تطوير مهارات معيّنة بأي مجال متاح.
- وضع أهداف غير واقعيّة وغير منطقيّة، مثل احتراف رياضة معيّنة، أو القيام بصفقة لا مثيل لها.
ما أسباب متلازمة بيتر بان؟
لا يوجد سبب واحد يفسّر ظهور السلوكيّات المصاحبة لمتلازمة بيتر بان، وإنّما يبدو أنّ عددًا من العوامل قد تلعب دورًا في تطوّر هذه المشكلة، منها:
– تطوّر الخبرات في مرحلة الطفولة، فقد تظهر متلازمة بيتر بان في حالات الأشخاص الذين عاشوا طفولةً تحت رعاية والدين شديدي الحماية لأبنائهم أو شديدي التساهل معهم، الحالة الأولى قد تُشعر الطفل بأنّ العالم مخيف وتصعب مواجهته، أمّا التساهل الشديد فقد يجعلك تظن بأنّ كل شيء يمكن فعله ولا يوجد من يلقي اللوم عليك.
– عوامل اقتصاديّة، فقد تُسهم الصعوبات والتحديات الاقتصاديّة في ظهور متلازمة بيتر بان، خاصةً مع غياب الحافز وعدم الشعور بالحماس عند ممارسة مهنة معيّنة.
– نمط التعلق التجنّبي (Avoidant attachment style)، ويتميّز هذا النوع من أنماط التعلّق بالخوف من تكوين علاقة عاطفيّة حميمة، والذي قد يكون سببه النظر للعلاقة على أنّها مملّة، وتعبّر عن فقدان السيطرة والقوّة.
من الفئة الأكثر احتماليّة للإصابة بمتلازمة بيتر بان؟
على الرغم من أنّ النساء أيضًا تُصبن بمتلازمة بيتر بان، فإنّ هذه المشكلة أكثر شيوعًا بين الذكور، وقد يعود ذلك إلى طبيعة المرأة التي تتمحور حول العناية بالأشياء ورعايتها للأفراد صغار السنّ، ومع ذلك لا يوجد دراسة شاملة توضّح كيفيّة تأثير متلازمة بيتر بان في الجنسين، والدراسات التي أجريت سابقًا صغيرة جدًّا.
ما هي النصائح في حالة الارتباط بشخص تظهر عليه علامات متلازمة بيتر بان؟
إذا كنت مرتبطًا بشخص يعاني هذه المتلازمة، وتشعر بالانزعاج الشديد وعدم تلقّي الدعم اللازم، قد يساعدك اتباع بعض النصائح على التحكم بما تعانيه:
– كن متعاطفًا، ولا تستخدم أسلوب “الوصمة” عند تعاملك مع شريكك ونعته بأنّه شخص غير ناضج كما الآخرين من حوله، بل حاول التعاطف معه، وتذكر بأنّ علاقتك به قابلة للتحسين.
– تواصل مع شريكك، وأخبره عن مشاعرك واحتياجاتك ورغباتك بطريقةٍ عطوفة وصارمة في الوقت ذاته، ولا تخف من الدفاع عن ما يدور في داخلك وتودّ إخباره به.
– ضع الحدود ووضحها، يمكنك تسليمه بعض المهام المطلوب إنجازها بطريقة لطيفة وبمحبّة واضحة، ومنحه فرصة للاهتمام بالأعمال المنزليّة، والشؤون الماليّة، والالتزامات الأخرى.
– كن واقعيًّا، فربما عليك إعادة تقييم العلاقة في حال رفض شريكك اتخاذ أي خطوة إيجابيّة لمحاولة التغيّير، وفي حال قرّرت البقاء في هذه العلاقة، يتوجّب عليك أيضًا تغيّير توقعاتك وتقبّل فكرة عدم قدرتك على تغيّيره، فلا بدّ من رغبته في تغيّير تصرفاته وأفكاره.
– اعتنِ بنفسك، ولا تترك نفسك مستهلكًا في مواجهة احتياجات شريكك طوال الوقت، بل حاول التحدّث مع الأصدقاء، والكتابة في دفتر مذكرات، كما يمكنك التحدث مع معالج نفسي.
ما هي النصائح للتعامل مع متلازمة بيتر بان؟
في حال كنت تعاني من متلازمة بيتر بان وترغب في تغيّير نظام حياتك وسلوكيّاتك يمكنك اتباع الآتي:
– كن صادقًا مع نفسك، اطرح على نفسك بعض الأسئلة، مثل، لماذا أشعر بهذه الطريقة؟ ما الذي تعلمته في مرحلة الطفولة حول سن الرشد والبلوغ؟ هل تساعدني أفعالي وتصرفاتي أو أنّها قد تؤذيني على المدى البعيد؟ من الشخص الذي يتحمّل المسؤوليّة عنّي؟
– حاول بناء القدرة على تحمّل الضغوطات، واستسلم للانزعاج الذي تشعر به بسبب الاستقرار ومواجهة المشاعر والعلاقة بشكلٍ جاد، بدلًا من الهروب منها، فقد تشعر بالراحة بعد الاتصال طويل الأمد.
– حاول الحصول على الدعم والمساندة من الآخرين، فقد يكون تحقيق الإنجاز الفردي مستحيلًا دون تلقّي المساعدة من الآخرين، ومن المحتمل أن يقدّم المعالج النفسي طُرق وأنماط تساعد على فهم المواقف وتطوير مهارات التأقلم مع تقلّبات الحياة.
تجلب مرحلة البلوغ معها الكثير من التحديّات والمسؤوليّات التي تستدعي الاهتمام بها والمبادرة في تحمّلها، فإذا وجدت نفسك تتبع نظام حياة تتجنّب فيه المسؤوليّات فربما أنّك تتعامل مع متلازمة بيتر بان، فتجد نفسك غير قادر على التعامل مع الفواتير والرد على الآخرين والعناية بالعائلة والالتزام بعمل، في هذه الحالة من الجيّد أن تطلب مساعدة أحد المختصّين النفسيّين، لتتمكّن من الموازنة بين تحمّل مسؤوليّات سن الرشد والاهتمام بنفسك في الوقت ذاته.
*** تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق المحتوى.
المراجع: