التعامل مع الشعور بالوحدة

عندما تفتقد لوجود الصحبة في حياتك، أو تشعر بأنّك منعزل ولا تتواصل مع الأفراد من حولك، أو عندما تُسافر وتبتعد عن أحبتك، أو تلتزم المنزل بسبب إجراءات العزل المنزلي وانتشار الوباء عالميًّا، قد يراودكَ شعور بأنّك وحيد وغير مستمتع في حياتك، وفي بعض الحالات ينتابك شعور الوحدة حتى وأنتَ بين الناس، فما هي الوحدة حقًّا؟ سنجيب عن هذا السؤال وغيره في محاور مقالنا هذا.

ما هي الوحدة؟

تصِف الوحدة (Loneliness) المشاعر السلبية التي تظهر بسبب عدم تلبية الحاجة للتواصل الاجتماعي مع الآخرين وحدوث العُزلة غير المرغوب بها، سواءً وُجد أشخاص في محيطك أو بقيت وحيدًا، فربما تشعر بالوحدة وسط ازدحام الناس وكثرتهم بسبب ما تشعر به تجاه العلاقات الاجتماعية حولك، وقد ينجم عن الوحدة تأثر الصحة النفسية والصحة العامة. 

 ومع ذلك لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ إمضاء الوقت منعزلًا باختيارك أمرٌ طبيعي بل وإنّه صحي، إذْ أنّ العزلة التي تختارها بين وقتٍ لآخر لتبقى وحيدًا لساعات أو أيام دون تولّد مشاعر حزن ورغبة شديدة للتواصل الاجتماعي تساعد على الاسترخاء، ومع ذلك يختلف الأشخاص من حيث حاجتهم للعزلة والابتعاد عن الآخرين، فربما يحتاج البعض وقتًا أطول في العزلة للشعور بالتحسّن مقارنةً بغيرهم. 


هل الوحدة اضطراب في الصحة النفسية؟

الشعور بالوحدة لا يصنّف بحد ذاته ضمن اضطرابات الصحية النفسية، غير أنّ الوحدة قد تتسبّب في تفاقم الاضطراب النفسي أو وجود اضطراب في الصحة النفسية يزيد من مخاطر الشعور بالوحدة؛ فقد يكون ذلك بسبب ابتعاد الآخرين عن التواصل مع الشخص الذي يعاني اضطرابًا نفسيًّا لحملهم مفاهيم خاطئة حول اضطرابات ومشكلات نفسية معينة، أو ربما يعاني الشخص من رهاب اجتماعي يجعل انخراطه في الأنشطة الاجتماعية اليومية صعبًا، وهو ما قد يولِّد شعورًا بالوحدة وفقدان معنى التواصل الاجتماعي.

ما هي أسباب الشعور بالوحدة؟

يشعر الأشخاص من مختلف المراحل العمرية بالوحدة لأسباب عِدة، من أبرزها:

1. الابتعاد عن الآخرين والذي قد يحدث بسبب:

– العمل عن بعد في المنزل.

– تغيير مكان الدراسة أو العمل.

– انتقال الشخص للعيش بمفرده لأول مرة. 

– الانتقال للعيش في مدينة جديدة.

– انتهاء علاقة عاطفية.

– وفاة شخص عزيز.

– التقاعد.

– التخطيط للزفاف.

– أنْ تحظى بطفل يُلهيك عن الآخرين.

– قيامك بشراء منزل خاص بك.

2. غياب العلاقات ذات المغزى

وهو ما يُفسّر الشعور بالوحدة رغم إقامة الكثير من العلاقات الاجتماعية في محيطك، فأحيانًا تملأ فراغك بالعلاقات العابرة مع الأصدقاء حولك، غير أنّك لا تشعر بالقرب من أحدهم.

3. المعاناة من مشكلة في الصحة الجسدية أو النفسية 

كالرهاب الاجتماعي، أو المعاناة من إعاقة معينة في الجسم؛ فالأنشطة الاجتماعية تتطلب أحيانًا الكثير من الطاقة العاطفية أو الجسدية، وهو ما قد يتسبّب في الانعزال عن الآخرين.

4. حدوث مشكلات مالية

بسبب البطالة أو فقدان وظيفة أو العمل في وظائف متعدّدة، أو العيش في أماكن يقطنها ذوي الدخل المتدني، وهذا قد يولد شعور بالخزي والتوتر النفسي، والانسحاب من العلاقات الاجتماعية.

وفي حالة تغيير نمط الحياة الذي سبب الشعور بالوحدة وفي حالة الاستقرار من جديد ، قد يتعافى الشخص من الوحدة ويعود لحالته الطبيعية، أو ربما قد يستمر كما هو دون تحسُّن، ويُذكر أيضًا بأنّ شعور الوحدة قد يتولد في أوقات معينة خلال السنة، كمواسم الأعياد وبعض المناسبات.

من هم الأشخاص الأكثر عرضة للشعور بالوحدة؟

لاحظ الباحثون بأنّ البعض يكون أكثر عُرضة للشعور بالوحدة مقارنةً بغيرهم، منهم:

– الذين يجدون صعوبة في المحفاظة على حياة اجتماعية صحية بسبب العمل.

– من ليس لديه أصدقاء أو عائلة، أو الأشخاص المنفصلين عن العائلة.

– الأشخاص الذين ينتمون لمجموعات الأقليات، ويعيشون في منطقة لا ينتمي لها آخرون من نفس طبيعة الحياة.

– من تعرض لاعتداء جنسي أو جسدي؛ فذلك يؤدي إلى صعوبة تكوين علاقات وثيقة مع أشخاص آخرين.

– من يتم استبعاده من الأنشطة الاجتماعية بسبب مشاكل التنقل أو نقص الأموال.

– الأفراد الذين يعانون من التمييز ووصمة العار بسبب الجنس أو العرق.

– الأشخاص الذين يعانون من التمييز والرفض الاجتماعي الشديد بسبب إعاقة أو مشكلة صحية طويلة الأمد، بما في ذلك مشاكل الصحة النفسية.

ما هي أعراض الشعور بالوحدة؟ 

من أعراض الشعور بالوحدة: 

– الإحساس بالفراغ أو الحزن أو فقدان شيء مهم.

– تراجع طاقة الجسم.

– فقدان القدرة على التركيز أو الإحساس بضبابية التفكير.

– الأرق أو عدم انتظام في ساعات النوم، أو حدوث أي اضطرابات أخرى في النوم.

– فقدان الشهية.

– فقدان الأمل وانعدام الثقة بالنفس.

– الشعور بآلام في أجزاء الجسم المختلفة.

– القلق وعدم القدرة على الاسترخاء.

– الرغبة بالتعامل مع أشياء دافئة؛ كأخذ حمام ماء دافىء، أو شرب المشروبات الدافئة، أو ارتداء ملابس تُشعر بالحميمية والدفء.

– تعاطي المخدرات.

– اللجوء لسلوكيات معينة؛ كالتسوق المفرط، أو متابعة مسلسل كامل في جلسة واحدة.

ما هي مضاعفات الوحدة؟ 

من المضاعفات والمشكلات التي قد تنجم عن الوحدة أو العزلة:

الأمراض المزمنة

فالعديد من الدراسات ربطت الوحدة بارتفاع مخاطر الإصابة بمشكلات صحية معينة، منها:

– ارتفاع الكوليسترول.

– الضغط النفسي.

– السكري.

– الاكتئاب.

– مشكلات القلب والأوعية الدموية.

الاكتئاب

تم إيجاد رابط  بين الوحدة والاكتئاب، ففي معظم الأوقات وُجد أنّ الشخص الذي يشعر بالوحدة غالبًا ما يعاني من الاكتئاب. 

التوتر

عند اجتماع الوحدة والاكتئاب فإنّ الشخص قد يُصبح عُرضة لتدهور حالته العقلية والنفسية، وذلك بناءً على إحدى الدراسات التي بحثت هذا الأمر.

جودة النوم 

في عديد من الدراسات وُجد أنّ الوحدة أو العزلة الاجتماعية قد تؤدي إلى اضطرابات النوم وتأثر نوعية النوم، وهذا بدوره يؤثر على تعامل الشخص مع مهامه اليومية الاعتيادية. 

متى يجب اللجوء للمساعدة المتخصّصة؟

يجب الأخذ بعين الاعتبار مراجعة الأخصائي في الحالات الآتية:

– الشعور بالوحدة يؤثر على القيام بالأنشطة اليومية والإنتاجية في العمل أو الدراسة.

– يستمر الشعور بالوحدة لمدة طويلة تتجاوز كوْنها حالات عَرَضية، كأنْ تستمر لمدة أسبوعين إلى شهرين.

– الدخول في حالة فقدان الأمل والاكتئاب مع شعور الوحدة.

كيف يتم علاج الوحدة؟ 

لا تعتبر الوحدة مشكلة نفسية لها تشخيص محدّد، ولكنْ يُمكن التعامل معها والسيطرة على أعراضها بالاعتماد على سبب المشكلة، وفي جميع الحالات قد يساعد العلاج النفسي واستشارة المُعالج المختصّ في إيجاد الطرق التي تُساعد على تغيير نظام الحياة للأفضل، فمثلًا، يساعد العلاج النفسي في:

– التعامل مع المشكلات الجسدية والنفسية التي تُسبّب العزلة وتُفاقِم الشعور بالوحدة، وتسهيل التواصل مع الآخرين.

– معرفة الأسباب التي تُثير الشعور بالوحدة في حال كان تحديدها صعبًا، ليُصبح التعامل معها مُمكنًا.

نصائح لمواجهة شعور الوحدة

إذا كنتَ تشعر بالوحدة والعزلة الاجتماعية، قد يُساعدكَ اتباع النصائح الموضَّحة في الآتي:

ابق على تواصل مع الأصدقاء والأحبة والعائلة، سواءً عن طريق منصات التواصل الاجتماعي أو عن طريق التواصل الفعلي، وتحدَّث معهم عن مشاعرك، فالأشخاص الذين تحبهم حولك دائمًا.

انضمّ لصفوف أو مجموعات تركّز على شيء مُمتع بالنسبة لك، كالرقص، أو العزف على القيثار، أو أيْ نوع من الفنون، ويُمكنكَ البحث عن أماكن ممارسة هذه الهوايات على منصات التواصل الاجتماعي، ومقابلة أشخاص لهم نفس الاهتمام، ويُمكن في البداية الالتحاق في هذه المجموعات والاكتفاء بالمشاهدة فقط في حالة الشعور بالتوتر.

زيارة بعض الأماكن، كالسينما أو المتنزهات أو المقاهي، للتواجد حول الأشخاص، ويُمكن محاولة الحديث معهم أو إلقاء التحية، خاصةً وأنّ التقدم التكنولوجي سهل العديد من نواحي الحياة.

الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية، وإعطاءها أولوية.

التطوع أو المشاركة في بعض الأحداث والمجالات التي تستقطب انتباهك، كالمساعدة في تنظيف قمامة الشوارع، أو التطوع للتواجد في مأوى الحيوانات نهاية الأسبوع.

حاول تبنِّي حيوان أليف، فتربية هذه الحيوانات قد ينعكس إيجابًا على الصحة النفسية وتقليل الشعور بالوحدة، عدا عن أنّ التنزه بصحبتها في الخارج قد يُعرِّفكَ على أناسٍ جُدد.

لا تركّز على الأشياء التي لا يُمكنك تغييرها، وإنّما اجعل تركيزك وطاقتك موجّهة نحو تحسين الحالة النفسية.

تجنب مقارنة نفسك بالآخرين، خاصةً على وسائل التواصل الاجتماعي التي يتخللها قصص مضلِّلة وغير صحيحة، وتركز على جانب واحد من حياة الناس.

ابتعد عن تطبيق كل شيء دفعة واحدة، وإنما وضع أهداف صغيرة يُمكن تحقيقها بسهولة.

تجنّب تمامًا تعاطي الكحول أو المخدرات أو حتى تدخين السجائر لتخفيف الشعور بالوحدة، فهذه الوسائل تزيد من الشعور بالوحدة.

لا تُذكّر نفسكَ بأنّك وحيد، واعلم بأنها مشاعر طبيعية في بعض مراحل الحياة.

كيف يمكن الوقاية من الشعور بالوحدة؟ 

يمكن أن تساعدك النصائح التالية على تجنّب الشعور بالوحدة:

– احصل على الراحة في قضائكَ الوقت بمفردك، فمن المرجح أن تشعر بالإيجابية إذا كنت تستمتع بالوقت الذي تقضيه بمفردك، حتى إذا كنتَ لا تفضّل الوحدة، ومع ذلك، حاول عدم البقاء وحيدًا طوال الوقت.

– خصِّص وقتًا كافيًا لممارسة الرياضة، فالرياضة قد تساعد على تحسين المزاج، وتزيد من شعورك بالصحة والقوة، والذي بدوره قد يخفف من شعور الوحدة. حاول الانضمام لرياضة جماعية أو مجموعات تُمارس رياضة المشي بهدف قضاء الوقت في الطبيعة، وهو ما قد يُساعد على تخفيف مشاعر الاكتئاب والقلق والتوتر، والتواصل مع الآخرين في الوقت ذاته. 

– استمتع بالمشي في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس؛ التي قد تساعد على زيادة هرمون السيروتونين (Serotonin) في جسمك وبالتالي تحسين مزاجك.

– نوِّع في اختيار الأنشطة التي تُمارسها في حياتك اليومية بين الأنشطة الإبداعية والبدنية والترفيهية، والتي يكون لها أثر إيجابي على النفسية وتخفيف الشعور بالوحدة.

وفي الختام، شعورك بالوحدة يعني أنّك بحاجة للتواصل مع الآخرين وبناء علاقات صحية معهم، وهو شعور طبيعي ولكنّه يختلف باختلاف طبيعة الأشخاص وحياتهم وتعاملهم مع الظروف، لذلك، حاول دائمًا عدم الاستسلام لهذه المشاعر السلبية ومقاومتها قدر المستطاع، ويُمكنكَ مراجعة الأخصائي النفسي في حال كنتَ تشعر بالضيق والتعب النفسي وعدم القدرة على التعامل مع تدني طاقتك وعُزلتك؛ لإيجاد أفضل الطرق التي تُساعدكَ على الانخراط  مرة أخرى في العلاقات الاجتماعية والعودة للحياة الطبيعية.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top