الرجوع للعمل بعد المرور بأزمة نفسية

قد تشعر بالقلق حيال عودتكَ للعمل مرّة أخرى إذا كنتَ قد تركته لمشكلات متعلقة بصحتك النفسية وأثّر ذلك على التزامك به، إذْ أنّكَ في هذه المرحلة تُلقي اهتمامًا مبالغًا فيه لردّ فعل زملائك في العمل، أو ربما تخيفك فكرة عدم القدرة على التعامل نفسيًّا مع رجوعك وانخراطك في الوظيفة، ولكنْ ما عليكَ معرفته هو أنّ العودة لإشغال الوظيفة قد تكون خطوة فارقة في عملية التعافي، وقرار إيجابيّ يصب في مصلحتك، خاصةً مع وجود دعم نفسي يقدِّمه الأهل والأصدقاء لتسهيل خطوة الرجوع للعمل. 

كيف يمكن للعمل أن يحسن الصحة النفسية؟

يجد أغلبية الناس أنّ العودة للعمل بعد المرور بأزمة نفسيّة تعدّ خطوة إيجابيّة، فالعمل قد يساهم في الآتي: 

– تعزيز الشعور بالهويّة، ووجود هدف في الحياة.

– مساعدة الفرد على تكوين صداقات جديدة. 

– الإحساس بالدور الفعّال في المجتمع. 

– توفير الأمان المالي.

كيف يمكنكَ التأقلم مع الرجوع للعمل بعد المرور بأزمة نفسية؟

لا بدّ من العودة للعمل بعد المرور بأزمة نفسيّة تدريجيًّا وعلى مراحل عِدة، حتى تتمكّن من التأقلم مع تحديات الوظيفة، وتتجاوز العقبات التي قد تقف في طريقك، ويُمكن توضيح ذلك في الآتي: 

قبل العودة للعمل بعد أخذ الإجازة المرضيّة 

في هذه المرحلة يجب عليكَ أنْ تأخذ بالاعتبار القيام بالآتي:

– زيارة الطبيب؛ فمن الضروريّ التحدث مع طبيبك النفسي أو المرشد النفسي الذي يُشرف على حالتك أولًا قبل العودة للعمل إنْ كانت الوظيفة لا تزال متوفرة، لتأخذ رأيه حيال قدرتك على مباشرة العمل. 

مراجعة الصحة الوظيفية، فبعد مراجعة الطبيب، من الجيد التحضير لمقابلة مع صاحب العمل أو مرشد الصحة المهنية لمناقشته حول بعض الأمور التي تشغل بالك بخصوص العمل، والحديث عن توصيات الطبيب التي قدمها لك وتودّ مشاركتها مع رئيسك قبل مباشرة العمل؛ كالحصول على الدعم من الزملاء في العمل بما تقتضيه حالتك، والرغبة في الحصول على ساعات عمل مرنة (دوام جزئي مثلًا)، ووجود مكان ملائم يُمكن التواجد فيه وقت الاستراحة.

مرحلة التحضير للعودة للعمل بعد الإجازة المرضيّة 

في الفترة التي تسبق يوم العودة للعمل، قد يُساعدكَ على الشعور بالتحسّن اتباع النصائح في ما يأتي: 

– استمر بالتواصل مع زملائك خلال فترة توقفك عن العمل، ويُمكن القيام بذلك من خلال منصات التواصل الاجتماعي الالكترونية، أو التواصل عبر الهاتف أو مراسلات البريد.

– قم بزيارة مكان العمل قبل الرجوع إليه بصفة رسميّة والتحدث مع الزملاء، فقد يساعدك ذلك على استعادة الألفة مع المكان بعد الانقطاع عنه.

– تابع نشرة أخبار الموظفين لمكان العمل إن وُجدت؛ لمعرفة كل جديد يتعلق ببيئة العمل حتى وأنت غير متواجد فيها.

– رتب مع أحدهم أنْ يقوم باستقبالك عند المدخل في يوم رجوعك إلى العمل، فقد يسهِّل ذلك عملية الرجوع بدلًا من إيجاد الجميع غارقًا في عمله.

– مع اقتراب موعد العودة للعمل، نظِّم جدول نومك واستيقاظك كما لو كنت تذهب للعمل بالفعل.

– اطلب العودة للعمل تدريجيًّا؛ كالرجوع بدوام جزئيّ أو العمل في أيامٍ محدَّدة، ومن الجيد مناقشة هذا الأمر قبل حسم الأمر بشأن قرار العودة – كما ذكرنا سابقًا-.

– خفف من وحدتك من خلال مشاركة ما تشعر به مع الآخرين.

الحفاظ على بقاء الحالة النفسية جيدة بعد العودة للعمل

حتى تعمل بأريحيّة وسهولة أكثر بعد عودتك للعمل، قد تساعدك النصائح الآتية:

– قم بإنشاء جدول للعمل بالتعاون مع مديرك، بحيث يتضمن ترتيب حضور أي تدريب قد فاتك في الفترة الماضية، والأمور المتوقّع إنجازها من قِبلك خلال الأسابيع الأولى من مباشرة العمل، فبهذه الطريقة يُصبح من السهل عليك توقع الأمور المطلوبة منك.

– حافظ على استمرارية الاجتماع بمديرك، فهذا يسهّل عليك التحدث عن كيفية تقدمك في العمل، ومشاركته التحديات التي تواجهها، والتسهيلات الإيجابية التي تجدها في العمل. 

– ناقش مديرك في العمل حول ما يتعلق بإجراء تغييرات معينة تناسبك وتُشعِرك بالراحة أثناء العمل.

– حاول دائمًا التواصل مع الأفراد الداعمين لك، سواءً أصدقائك أو عائلتك أو طبيبك أو مدرائك.

– احرص على ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، فالرياضة تساهم في تعزيز الصحة النفسية والمزاج.

– حدّد أهداف معقولة يُمكنك تحقيقها، واحرص على إعطاء الأولوية لأداء المهام المُمكنة والمهمة.

– تجنّب نقد ذاتك بعنف وعدم التهاون معها عندما يتعلق الأمر بأمور يصعب السيطرة عليها.

كيف يمكنكَ إيجاد عمل بعد المرور بأزمة نفسية؟

إذا كنتَ عاطلًا عن العمل ولا تنتظرك وظيفة بعد خروجك من الأزمة النفسيّة، يُمكنكَ الأخذ بالنصائح الآتية:

– راجع طبيبك أولًا للتأكد أنّكَ قادر على العمل.

– عند اختيار بيئة العمل الجديدة من الضروري أنْ تأخذ بعين الاعتبار تفضيلك لمكان معين تُحبّ العمل فيه، وطبيعة الوظيفة التي تودّ أنْ تشغلها، ونوع الدعم الذي تحتاجه، والأمور المالية والاحتياجات المادية.

– يُمكنكَ طلب الدعم من الجهات المختصّة التي قد توفّر فرص العمل للأشخاص في مثل حالتك.

– التطوع للعمل في مجالات مختلفة، فهو يساعد على تحسين فرص الحصول على وظيفة مدفوعة الأجر عند الاستعداد لذلك، عدا عن دور مساعدة الآخرين في تعزيز الثقة بالنفس وتخفيف القلق.

كيف يساعد صاحب العمل على عودة الموظف للعمل بعد مروره بأزمة نفسية؟

يجب عدم إغفال دور أصحاب العمل والزملاء في تقديم الرعاية للأشخاص الذين يعانون مشكلات نفسية عند عودتهم للعمل، والقيام بالتغييرات التي تساعدهم على التأقلم مع البيئة المحيطة، ومثال ذلك إعطاء موظف مصاب بالرهاب الاجتماعي مكتبًا خاصًّا بدلًا من مشاركته مع موظفين آخرين. 

وهنا يُشار إلى أنّ التواصل مع الموظّف الذي عانى من مشكلة نفسية ليس بالأمر الصعب، وإنّما يتطلب معرفة مبادىء الإدارة السليمة، والتي قد تتضمن:

– التحدث بشفافية وصدق مع الموظّفين ومعرفة ظروفهم.

– القدرة على ملاحظة علامات وجود أيْ مشكلة في وقتٍ مبكّر.

– مناقشة المشكلات التي تلاحظها مع الموظف نفسه أو مع ذوي الاختصاص؛ بهدف تقديم الدعم وليس لزيادة الضغط والتوتر على الموظّف.

كيف تؤثر مشاكل الصحة النفسية على بيئة العمل وموظفيها؟

يمكن أن يؤثر التوتر ومشاكل الصحة النفسية السيئة سلبًا على الموظف في نواحٍ عِدّة؛ كالأداء الوظيفي والإنتاجية، والانخراط في العمل، والتواصل مع زملاء العمل، بالإضافة إلى القدرة البدنية والأداء اليومي.

ومن جانبٍ آخر، يؤثر الاكتئاب على أداء المهام التي تتطلّب مقدرة جسديّة في مجال العمل، إلى جانب أنّه يساهم في تقليل الأداء المعرفي، ويُذكر بأنّ تكاليف الرعاية الصحية المُقدَّمة للموظفين المعرضين لخطورة الإصابة بالاكتئاب مرتفعة، كذلك الحال مع المشكلات النفسية الأخرى التي يواجهها الأفراد.

كيف يساهم أصحاب العمل في تعزيز الوعي حول أهمية الصحة النفسية؟

يُمكنهم ذلك باتخاذ خطوات عِدة، منها:

– تقديم فحوصات سريرية مجانية أو مدعومة للاكتئاب على يد أخصائي صحة نفسيَّة مؤهل، يتبعها تقييم الحالة وإحالتها للعلاج إذا اقتضت الحاجة.

– إتاحة أدوات التقييم الذاتي للصحة النفسية لكافّة الموظفين.

– تقديم تأمين صحي شامل أو جزئي لأدوية الاكتئاب واستشارات الصحة النفسيَّة.

– توزيع الكتيِّبات والنشرات ومقاطع الفيديو التي تدور مواضيعها حول علامات وأعراض الصحة النفسية السيئة وفرص العلاج، وتوفير هذه المادّة لكافّة الموظفين.

– توفير التدريب أو المشورة أو برامج المساعدة الذاتية المجانية أو المدعومة.

– استضافة  ندوات أو ورشات عمل تتناول تقنيات إدارة الاكتئاب والتوتر؛ مثل تمارين التنفس والتأمل.

– تدريب المدراء لمساعدتهم على تمييز علامات وأعراض التوتر والاكتئاب لدى أعضاء الفريق، وتشجيعهم على طلب المساعدة من المختصّين المؤهلين في مجال الصحة النفسية.

– منح الموظفين فرصًا للمشاركة في اتّخاذ القرارات المتعلقة بالقضايا التي تؤثر على ضغط العمل.

– إنشاء وصيانة مساحات مخصَّصة وهادئة للقيام بأنشطة الاسترخاء.

– محاولة تفهُّم الموظفين في حالة شعورهم بالاستياء من العمل أو العصبية، ولكنْ لا تُغفل السلوك وحاول معرفة أسبابه.

وأخيرًا، قد يواجه البعض صعوبة في العودة لبيئة العمل بعد مروره بأزمة نفسيّة، وهذا أمرٌ وارد الحدوث وطبيعيّ، غير أنّ الأمر يتطلب في بعض الأحيان مقاومة التردّد بعد أخذ الإيعاز من الطبيب النفسي، والعودة لمجال العمل مرّةً أخرى، لما قد يكون له من دور في تعزيز التعافي وبناء العلاقات، وهنا يكمن دورك ودور مدرائك وزملائك في العمل على تهيئة البيئة الأفضل التي تناسبكَ حتى تتجاوز هذه المرحلة الصعبة بنجاح، وثق دائمًا بأنّ الجميع معرَّض لأنْ يعاني من مشكلات نفسية، أمّا مستشارك أو طبيبك النفسي فهو الشخص المؤهل الذي يساعدك على معرفة أفضل الطرق لتعود إلى حياتك الطبيعية كما كانت قبل مرورك بالأزمة النفسية.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع: 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top