اضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ (Schizoid Personality Disorder)

يختلف الناس عن بعضهم في طريقة التفكير وأسلوب الحياة وكيفيّة التعامل مع الآخرين، فالبعض يميل طوال الوقت للانخراط في العلاقات الاجتماعيّة والخروج والتفسح، والبعض الآخر يفضّل العزلة والابتعاد عن ضجيج الحياة خلال فترات معيّنة يشعر فيها بالتعب والإرهاق، ولا يمنعه ذلك من إنجاز مهامّه المعتادة والتواصل مع الآخرين، ولكنّ الأمر يبدو مختلفًا بالنسبة إلى المصاب باضطراب الشخصية شبه الفصامي، الذي يبتعد دائمًا عن الاحتكاك بالآخرين ويختار البقاء وحيدًا، لذلك سنتطرّق بالحديث في هذا المقال عن اضطراب الشخصية شبه الفصامي.       

 

ما هو اضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ؟ 

يعدّ اضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ(Schizoid Personality Disorder) ، أو اضطراب الشخصية الفصامانية، واحدًا من اضطرابات الشّخصيّة المزمنة وغير الشائعة، التي يميّزها الانعزال الاجتماعي، وعدم الاهتمام بتكوين العلاقات الاجتماعيّة أو الانخراط في الأنشطة التي تتطلّب التّعامل مع الآخرين، إلى جانب وجود صعوبة بالغة في التّعبير عن المشاعر، والابتعاد عن تشكيل علاقات شخصيّة وطيدة، وينتمي اضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ اضطرابات المجموعة الأولى (Cluster A) التي يبدو المصابين بها غريبي السلوكيات، ويختلفون عن الأشخاص حولهم.

يجب التمييز بين اضطراب الشّخصيّة شبه الفصاميّ عن الفصام (Schizophrenia)، فعلى الرّغم من تشاركهما بعض الأعراض، كعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، وصعوبة التعبير عن النفس عاطفيًّا، إلّا أنّ المصاب باضطراب الشّخصيّة شبه الفصاميّ لا يعاني من الارتياب، أو الهلوسة، أو اضطراب التفكير أو الكلام، كما ويكون كلامه منطقيًّا حتى وإن كان أسلوب الحديث باردًا ومتحفّظًا على عكس المصاب بالفصام أو إحدى اضطرابات الفصام الأخرى؛ حيث تصعب مجاراته في الحديث لافتقاده عنصر المنطق. 

 

ما هي أعراض الإصابة باضطراب الشّخصيّة شبه الفصاميّ؟ 

تظهر أعراض اضطراب الشخصيّة شبه الفصامي عادةً خلال فترة سنّ الرّشد، ولكن بعض سمات هذا الاضطراب قد تظهر أحيانًا خلال مرحلة الطفولة، فتؤثر على أداء الطفل في المدرسة أو في علاقاته الاجتماعيّة.

حقيقةً، يوصف المصاب باضطراب الشّخصيّة شبه الفصامي بالبرود والانعزال، والانطواء على نفسه، واللامبالاة، وعدم الاكتراث، وبشكلٍ عام، من أعراض الإصابة بهذا الاضطراب: 

– عدم الرّغبة في تشكيل علاقات وطيدة مع الآخرين، ويتضمّن ذلك العلاقات العائليّة. 

– تفضيل ممارسة الأنشطة الفرديّة على الانخراط في الأنشطة الجماعيّة. 

– افتقاد وجود أصدقاء مقرّبين أو يمكن الوثوق بهم، وقد يُستَثنى من ذلك أحد أفراد العائلة أحيانًا.

– عدم الشعور بالمتعة عند ممارسة مختلف الأنشطة الاجتماعيّة والعائليّة، أو ربما ينحصر اهتمامه في عدد قليل جدًّا من هذه الأنشطة. 

– انعدام الرّغبة الجنسيّة أو ضعفها. 

– عدم الاهتمام بتلقّي المديح والنّقد من الآخرين. 

– صعوبة التعبير عن النفس.

– قلّة التحفيز أو عدم وجود أهداف حقيقيّة في الحياة.

– البعد والانفصال العاطفيّ، وتبلّد المشاعر؛ وهو ما يزيد من صعوبة التعبير عن المشاعر بما يتناسب مع المواقف المختلفة. 

– كثرة أحلام اليقظة، أو خلق تخيّلات حيّة لتمثّل الحياة المعقّدة التي يعيشونها.

 

ما هي أسباب الإصابة باضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ؟ 

سبب الإصابة باضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ غير معروف، ولكن غالبًا ما يتطوّر هذا الاضطراب بتأثير عوامل جينيّة وبيئية، من أهمها:

– التّعرّض للتّعنيف أو الإهمال العاطفيّ في الصّغر، وهو ما يزيد احتماليّة الإصابة بالاضطراب؛ حيث أنّه يؤدّي إلى خلل في تشكّل شخصيّة الفرد وقدرته على التّعامل مع مشاعره المختلفة.

– معاناة أحد الأبوين من الانفصال العاطفي، وتأثير ذلك على الطفل. 

– إصابة أحد أفراد العائلة باضطراب الشّخصيّة شبه الفصاميّ(Schizoid Personality Disorder)، أو اضطراب الشخصية الفصامي النوع (Schizotypal personality disorder) ، أو الفصام(Schizophrenia) 

 

كما لوحظ أنّ احتماليّة إصابة الذكور باضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ أكبر مقارنةً بالإناث. 

 

مضاعفات اضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ

أهم التحديات التي يواجهها المصاب بهذا الاضطراب عدم قدرته على التفاعل الاجتماعي، كما يترتّب على الإصابة باضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ وعدم تلقّي العلاج ارتفاع مخاطر الإصابة بـ:

– اضطرابات الشّخصيّة الأخرى.

– الاكتئاب(Depression) .

– اضطرابات القلق(Anxiety Disorders) .

– الفصام(Schizophrenia) ، أو اضطراب الشخصية الفصامي النوع (Schizotypal personality disorder)، وغيرها من الاضطرابات الوُهاميّة (Delusional Disorders)

 

كيف يُشخَّص اضطراب الشّخصيّة شبه الفصاميّ؟ 

عند زيارة الطبيب لتشخيص الإصابة باضطراب الشّخصيّة شبه الفصامي، فإنّه غالبًا ما يجري الآتي:

– السؤال عن التاريخ المرضيّ العائليّ.

– معرفة التاريخ الشخصي والمرضي للفرد.

– إجراء فحص سريري للمصاب.

– مناقشة الشخص حول الأعراض التي تظهر عليه، وتقييمها.

– الكشف عن أيّة حالات مرضيّة قد تساهم في ظهور الأعراض.

وفي حالة ثبوت عدم إصابة الشخص بمشكلة عضوية، غالبًا ما يُحوَّل إلى الطبيب أو الأخصائي النفسي الذي يقوم باستخدام أدوات التشخيص الملائمة لتقييم الإصابة باضطراب الشخصيّة من خلال فهم طبيعة الأعراض والأفكار لديه، وسؤاله عن طفولته وعلاقاته وعمله، ويعتمد في تشخيصه لاضطراب الشخصية شبه الفصاميّ استخدام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس (DSM-5)، وتمييزه عن الاضطرابات التي تشبهه، كالفصام، واضطراب طيف التوحد(Autism Spectrum Disorder) ، واضطراب الشّخصيّة الفصاميّ النوع، واضطراب الشّخصيّة الاجتنابيّ (Avoidant Personality Disorder).

 

كيف يتمّ علاج اضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ؟ 

عادةً ما يتجنّب المصاب باضطراب الشّخصيّة شبه الفصامي التعامل مع الآخرين، وهذا يشمل الأطباء، ما يدفعه إلى تجنّب تلقّي العلاج على الرّغم من فعاليّته وأثره الإيجابيّ على حياة المصاب، لذلك اقترح على الشخص الذي تشكّ بأنّه يعاني من هذا الاضطراب زيارة الطبيب، ورافقه إذا تطلّب الأمر خلال موعده الأوّل.

يبدأ الطبيب ببناء الثقة بينه وبين المصاب ليسهّل الانتقال لمرحلة العلاج، إذ يهدف علاج اضطراب الشّخصيّة الانعزاليّة إلى مساعدة المصاب على تطوير مهارات التّواصل الاجتماعيّ والقدرة على تخطّي الصّدمات التي تسبّبت في حدوث الاضطراب، ومن أنواع العلاج المتاحة لهذا الاضطراب: 

 

العلاج النفسي

إذ يعدّ العلاج النّفسيّ حجر الأساس بالنسبة لحالات اضطراب الشخصيّة شبه الفصامي، بالأخصّ ما يعرف بالعلاج المعرفيّ السّلوكيّ(Cognitive Behavioral Therapy) ، فهو يساعد المصاب على تغيير سلوكيّاته وأفكاره السلبيّة، ومعرفة سبب ميله للعزلة والابتعاد عن الآخرين، وكيفيّة التّعامل مع الآخرين، كما ويساعد الطبيب أو الأخصائي النفسي على تحسين المهارات الاجتماعيّة لدى المصاب قدر المستطاع. 

 

العلاج الجماعيّ 

يقوم العلاج الجماعي على انضمام المصاب لمجموعة من الأفراد وتعامله معهم بهدف تطوير مهارات التّواصل الاجتماعيّ في بيئة آمنة وتحت إشراف متخصّص، كما أنّ هذا الأسلوب يوفّر له الدّعم الذي يحتاجه. 

 

العلاج الدوائيّ

على الرّغم من عدم وجود علاج دوائيّ مخصّص لعلاج اضطراب الشّخصيّة شبه الفصامي، فإنّ الطّبيب النّفسيّ قد يصِف للمصاب نوع من مضادّات الاكتئاب(Antidepressants)  أو مثبّطات القلق(Anxiolytics)  للسيطرة على الأعراض التي تؤثر عليه وتعيقه بحسب ما يراه مناسبًا، إلى جانب التركيز على العلاج النفسي وحضور جلسات العلاج بانتظام. 

 

نصائح للمصاب باضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ

بعد مراجعة الطبيب أو الأخصائي النفسيّ وبدء العلاج، نودّ تقديم بعض النّصائح التي قد تساعدك في حالة الإصابة باضطراب الشّخصيّة الانعزاليّة:

– الالتزام بالخطّة العلاجيّة التي يضعها الطبيب أو المعالج، فهي تساعد على فهم الاضطراب أكثر، ومعرفة تأثيره على حياتك ومشاعرك، والقدرة على تجاوز أسبابه، وتطوير مهارات التّواصل الاجتماعيّ.  

– محاولة التواصل مع أشخاص يقدمون الدعم النفسي أثناء العلاج والتحدّث معهم، والابتعاد عن العزلة، وقد يساعد في ذلك ممارسة إحدى الهوايات المفضَّلة في مجموعة، ومحاولة الانخراط مع الآخرين وتكوين الصداقات.

 

التعامل مع المصاب باضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ

إذا كنتَ تساعد شخصًا يعاني من اضطراب الشخصيّة شبه الفصاميّ، تجنّب إجباره على التعامل مع الآخرين رغمًا عنه ظنًّا منك أنّك تساعده، بل ابدأ بالتّواصل معه، واعرف ما يمكنه القيام به في كلّ مرحلة من مراحل العلاج لمساندته، كما يفيد في هذه الحالة مشاركته الأنشطة والهوايات التي يفضّل ممارستها لمساعدته على الانخراط مع الآخرين، وتقديم الدعم له أثناء تحدّثه مع الآخرين أو تعامله معهم.

 

يؤثر اضطراب الشخصية شبه الفصامي على العلاقات الاجتماعيّة والعمل وفرصة التطوّر في جوانب مختلفة، ولكنّه أيضًا يستجيب بشكلٍ كبير للعلاج النفسي، لذلك احرص على تقديم الدعم والمساعدة للمصاب وتشجيعه على زيارة الطبيب أو المعالج المختصّ بانتظام حتى يتسنّى له اتّباع خطّة علاجيّة مدروسة تمكّنه من تخطّي العقبات التي يواجهها، والتعامل مع الآخرين والانخراط في الحياة الاجتماعيّة تدريجيًّا.

  

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى  

 

المراجع:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top