تساقط الشعر المتعلّق بالنفسية

يعدّ تساقط الشعر من المشكلات الشائعة بشكلٍ كبير بين الأفراد، قد يؤثر في فروة الرأس أو أجزاء منها، أو في كامل الجسم، وقد تحدث هذه المشكلة لوجود أسباب وعوامل مختلفة؛ كالعوامل الوراثية والهرمونية، وصحة الجسم، والعمر، بالإضافة إلى تساقط الشعر المتعلّق بالصحة النفسية وهو محور الحديث في هذا المقال. 

 

العلاقة بين المشكلات النفسية وتساقط الشعر

بعض الضغوطات والمشكلات النفسية تكون السّبب وراء تساقط الشعر، وفي الآتي توضيح ذلك:

 

الاكتئاب وتساقط الشعر

في دراسة أجريت بهدف إيجاد الرابط بين الاكتئاب وتساقط الشعر، قام الباحثون بدراسة تأثير بعض العوامل على تساقط الشعر لدى مجموعة من النساء، كطريقة تصفيف الشعر، ولونه، ونوعه، ووجود أمراض معيّنة، وظهور أعراض الاكتئاب، وتناول أنواع من الأدوية، وقد لوحظ أنّ نسبة كبيرة من النساء في هذه الدراسة يعانين من تساقط الشعر وعلى الأقل اثنين من أعراض الاكتئاب، وأنّ من أعمارهنّ بين 20-30 سنة أكثر عُرضة للمعاناة من الاكتئاب وتساقط الشعر سويّة.

 

ولكنّ الدراسة لم تُؤكّد بشكلٍ قطعي على أنّ الاكتئاب يسبّب تساقط الشعر، وإنّما تقترح وجود رابط مُحتمل بينهما، ومن الظروف التي ربما يتزامن فيها حدوث الاكتئاب مع تساقط الشعر: 

– التوتر والاكتئاب وتساقط الشعر، حيث يعدّ التوتر من العوامل المساهمة في حدوث الاكتئاب، كما أنّه قد يلعب دورًا مهمًّا في حدوث أنواع من تساقط الشعر؛ سنتحدث عنها في الفقرة التالية.

– استخدام أقراص منع الحمل وحدوث الاكتئاب وتساقط الشعر، فقد يؤثر استخدام حبوب تنظيم الحمل على الحالة النفسية للأنثى، فيزيد من احتمالية معاناتها من التقلبات المزاجية والإصابة بالاكتئاب، بينما يحدث تساقط الشعر أحيانًا أثناء تأقلم جسدها مع التغيرات الهرمونية فيه. 

– تناول مضادات الاكتئاب وتساقط الشعر، فبعض أنواع مضادات الاكتئاب أظهرت أنّها قد تسبّب تساقط الشعر بدرجات متفاوتة كواحدة من آثارها الجانبيّة، ولكنّها ليست بالضرورة أنْ تكون من الآثار الجانبية الشائعة، ومن أنواع الأدوية التي قد تسبب هذه المشكلة: مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (selective serotonin reuptake inhibitors or SSRIs)، ومثبطات استرداد السيروتونين-نورإبنفرين (Serotonin and norepinephrine reuptake inhibitors or SNRIs)، والبوبروبيون (Bupropion)؛ وهي من أنواع مضادات الاكتئاب الحديثة.

 

التوتر وتساقط الشعر

قد تزداد حِدة التوتر بسبب حدوث تغيرات حياتيّة مفاجئة غير مرغوبة؛ كالطلاق، أو فقدان الوظيفة، أو خسارة شخص عزيز، أو التعرّض لضغوطات العمل، أو المشاكل الأسرية، أو الأمراض المزمنة أو التي تُهدّد الحياة، والتوتر قد يكون واحدًا من الأسباب أو العوامل التي تساهم في حدوث تساقط الشعر، وعليه، يوجد ثلاثة أنواع من تساقط الشعر مرتبطة بارتفاع مستويات التوتر، أهمها:

 

– تساقط الشعر الكربي (Telogen effluvium): وهو من أنواع تساقط الشعر الذي عادةً ما يبدأ بعد التعرّض للتوتر الشديد أو الصدمة بحيث يتأثر عدد كبير من بصيلات الشعر وتدخل في طور السكون (Resting phase)، ومن المُحتمل حدوث تساقط الشعر الذي تأثر بهذا التوتر بصورة مفاجئة بعد بضعة شهور، وقد يكون تساقطه بكميات كبيرة ولكنْ لفترة مؤقتة، ففي مُعظم الأحيان يعود الشعر لينمو من جديد، وغالبًا ما يظهر الصلع أو خِفة الشعر في حالة تساقط الشعر الكربي في الجزء العلوي من فروة الرأس.

 

هوس نتف الشعر أو هوس النتف أو اضطراب نتف الشعر (Trichotillomania): هو اضطراب يظهر على صورة عدم مقاومة للرغبة الشديدة في نتف الشعر، سواءً شعر الرأس، أو الحواجب، أو الرموش، أو غيرها، ومن المحتمل أنْ يُحفّز حدوث هوس نتف الشعر: التغييرات الهرمونية في سن البلوغ، أو اضطراب توازن بعض النواقل الكيميائية في الدماغ، أو اتباعه كطريقة للتعامل مع القلق أو التوتر أو الوحدة أو الملل، أو الانزعاج.

– بقعة الصلع أو داء الثعلبة (Alopecia areata): وهو من أمراض المناعة الذاتية، أيْ يحدث عند مهاجمة الجهاز المناعي في الجسم لبصيلات الشعر، مما يؤدي إلى تقلصها، فيضعف نمو الشعر ويحدث التساقط، وتظهر بقع الصلع في هذ الحالة على أجزاء من فروة الرأس، أو في كامل فروة الرأس، أو حتى كامل الجسم، ومن المُحتمل أنْ ينمو الشعر ويسقط باستمرار مع الوقت، ويُشار إلى أنّ التوتر قد يكون عاملاً محفزًا لحدوث داء الثعلبة. 

متى يجب مراجعة الطبيب المختص؟

يجب مراجعة الطبيب لمعرفة سبب المشكلة والخضوع للعلاج الملائم عند ملاحظة حدوث تساقط مفاجىء للشعر بحيث يترك بقعًا من الصلع أو تكون كميته أكثر من المُعتاد، كما تكون زيارة الطبيب النفسي أو المستشار ضروريّة في الحالات الآتية:

– المعاناة من الاكتئاب بصورة كبيرة، أكثر من الحالة المُعتادة.

– ملاحظة تغيّر في النشاطات اليومية، وصعوبة أداءها.

– وجود رغبة لنتف شعر الحواجب، الرموش، فروة الرأس.

– وجود ميول للأفكار الانتحارية.

 

 

علاج تساقط الشعر النفسي

عند مراجعة الطبيب بسبب تساقط الشعر المتعلق بالمشكلات النفسية فإنّه قد يقدّم بعض الخيارات العلاجية للسيطرة على المُشكلة وتسريع التحسن، مثل:

 

العلاج النفسي 

في حال كان من الواضح أنّ تساقط الشعر سببه العامل النفسي؛ كالاكتئاب، والتوتر، والقلق، من الجيّد مراجعة الطبيب النفسي أو المُستشار النفسي الذي قد يساعد في الآتي: 

– تحديد سبب الضغط النفسي والتوتر.

– تعلّم سلوكيات وطرق تساعد على التأقلم مع الاكتئاب.

– اتباع ممارسات تساعد على تخفيف حِدة الأعراض المصاحبة للمشكلة النفسية، مثل: فقدان الوزن، والتوتر والقلق، وغيرها. 

 

العلاج الموضعي

مثل المينوكسيديل  (Minoxidil) المتوفر على صورة كريم أو بخاخ أو رغوة، وقد تُستخدم للنساء والرجال، ولكنّ رؤية النتائج الفعالة لاستخدامه قد تستغرق 4 شهور من الاستخدام، وقد لا يُجدي نفعًا مع البعض، كما يتوفر زيت الخروع (Castor oil)، الذي قد يزيد نمو الشعر، والكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids) الموضعيّة، التي قد يصفها الطبيب في بعض حالات داء الثعلبة.

 

طرق أخرى للعلاج

والتي منها:

– العلاج البديل للهرمونات في حالات انقطاع الطمث.

– استبدال الشعر غير الجراحي.

 

وفي حالات معينة، قد لا يلاحظ الشخص تحسّنًا في مشكلته رغم استخدام العلاجات التي وصفها الطبيب واتباع تعليماته، حينها قد لا يكون تساقط الشعر متعلّقًا بالتوتر، وإنما بعوامل أخرى، مثل: العوامل الجينية، والعمر، والتغيرات الهرمونية، والإصابة بأمراض معيّنة، وتناول بعض الأدوية، وغير ذلك، ويساعدكَ الطبيب في هذه الحالة على تشخيص المشكلة وتحديد الخطّة العلاجية المناسبة للأعراض.

 

نصائح في حالات تساقط الشعر النفسي 

 فيما يلي بعض الممارسات الفعالة والنصائح التي تساعد على التعامل مع التوتر والضغط النفسي المُسبّب لتساقط الشعر: 

احرص على ممارسة التمارين الرياضية البسيطة بانتظام، كالمشي، لما لها من أثر كبير في التخفيف من التوتر والضغط النفسي، وتعزيز المزاج.

– اشغل نفسك بأشياء مُمتعة وتجلب السعادة، مثل: ممارسة العمل التطوعي، أو الزراعة، أو البدء بعمل مشروع فني، أو غيرها، فهذه الأمور قد تساعد على تحسين المزاج وتقليل التوتر.

– عبّر عن مشاعرك بالكتابة، فهي من الأساليب الصحية التي تساهم في تنفيس الشعور بالتوتر والضغوطات، كما أنّ مراجعة هذه الكتابات قد يُفيد في تحديد سبب التوتر والقلق، ويساعد على تجنبه.  

– قم بعمل تمارين التنفس العميق والتأمل واليوغا، فهي من الطرق الممتازة التي تساعد على التأقلم مع التوتر والضغوطات، والتركيز على الأمور المهمة في الوقت الحاضر. 

– تناول الغذاء الصحي والمتوازن؛ الذي يحتوي على الكثير من الخضروات والفواكه، والبروتينات الصافية، والحبوب الكاملة، واستشر طبيبك بشأن إمكانيّة تناول مكملات غذائية معيّنة إذا ثبت نقصها في الجسم، مثل: فيتامين ب12، وفيتامين د، والزنك، والحديد.

– حاول عدم الانسحاب من الحياة الاجتماعية والاستسلام للعزلة، بل تواصل مع أصدقائك وعائلتك وتحدث إليهم.

– امتنع كليًّا عن تناول المشروبات الكحولية بهدف التعامل مع المشاعر وإخفاءها، فهي على العكس، قد تفاقم المشاكل النفسية.

– احرص على حماية شعرك، كارتداء القبعات ومناديل الرأس لحماية الشعر من الشمس، ووضع النظارات الملتفّة حول الرأس من الجانبين لحماية الحاجبين والرموش، والابتعاد عن استخدام المواد الكيميائية ومصففات الشعر الحرارية لتزيين الشعر.

– احرص على اتباع روتين منظّم في حياتك، من حيث وقت الخلود للنوم والاستيقاظ، وأوقات تناول وجبات الطعام بانتظام.

– سيطر على عادة هوس نتف الشعر قدر الإمكان، كاستبدال هذا الفعل بالضغط على كرة صغيرة بمجرّد التوتر، وتحديد محفز شد الشعر ومعرفة كيفية تجنّبه، والحصول على دعم الآخرين، وربط الشعر أو تغطيته بقبعة، وتقصير الشعر، وغيره.

– حاول أخذ حمّام دافىء ومريح لتخفيف التوتر والقلق.

– راجع الأخصائي النفسي في حال شعرت بعدم القدرة على التأقلم مع التوتر والضغط النفسي، أو بدأت تعاني من أعراض شديدة ومُزعجة.

 

وأخيرًا، رغم أنّ مُعظم حالات تساقط الشعر الناجمة عن المشكلات النفسية تكون مؤقتة، إلّا أنّه من الضروري تلقّي العلاج في وقتٍ مبكّر والسيطرة على الأعراض لمنع حدوث الضّرر الدائم، أضِف إلى ذلك أنّ هذه المشكلة قد تزيد أيضًا من الشعور بالاكتئاب والتوتر بسبب تغير النظرة للذات والثقة بالنفس، خاصةً وأنّ جمالية الشعر وسلامته تؤثر على المظهر الخارجي، فلا تتردّد في طلب المساعدة والاستشارة النفسية المُتخصّصة. 

 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى     

 

المراجع: 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top