رهاب الخلاء (Agoraphobia)

في كثيرٍ من الأحيان نحاول جاهدين تجنّب مواقف أو عواطف أو أشياء معينة لأنّها تُشعرنا بعدم الراحة والانزعاج، وربما تكون لدينا مخاوف طبيعيَّة ناجمة عن التوتر الذي يظهر في بعض الظروف والذي يساعدنا على التأقلم مع الموقف الحالي وتخطِّيه، ولكنْ عندما يكون الخوف والقلق شديدًا ومُعيقًا للحياة تجاه أمور عادية لا ينظر لها مُعظم الناس على أنها مشكلة، حينها يُمكن أنْ نطلق على هذه الحالة مصطلح رُهاب أو فوبيا، وفي هذا المقال سنتناول تحديدًا موضوع رهاب الخلاء، فما هو هذا الاضطراب؟ 

 

ما هو رهاب الخلاء؟

رُهاب الخلاء أو رهاب الساح أو اجورافوبيا(Agoraphobia) ؛ هو عبارة عن نوع من اضطرابات القلق الّتي تتسبّب في ظهور حالات خوف شديدة أو ذعر أو شعور باليأس أو الحَرَج في مواقف معينة تُعيق الخروج والانخراط في أنشطة الحياة المختلفة، كما يتجنّب المُصاب بهذا الاضطراب مواقف معينة خوفًا من شعوره بأنّه مُحاصر ولا يستطيع الهرب لتلقّي المساعدة، لذلك قد يرتعب البعض من مغادرة المنزل أو ربما ينحصر خروجه لزيارة أماكن قليلة جدًّا.

 

ما أسباب الإصابة برهاب الخلاء؟

لا يعلم الأطباء على وجه التحديد سبب الإصابة باضطراب رهاب الخلاء، ولكنْ قد يتطور رهاب الخلاء بسبب:

 مواجهة أحداث مُثيرة للتوتر والضغط النفسي؛ كانتهاء علاقة، أو فقدان وظيفة، ويشعر الشخص بالضيق ويحدّ من اتصاله بالعالم الخارجي، ويتولد لديه مع مرور الوقت اعتقاد بأنّ الأماكن العامة خارج الحدود، فيتقيد البقاء في المنزل.

– التعرّض لحدث مرهق يتسبب في ظهور نوبة هلع، تكون مزعجة جدًّا، ويُسفر عن ذلك تجنّب الشخص لأيْ موقف أو مكان يعتقد أنه يحفّز حدوث نوبة أخرى إلى أنْ تزداد مخاوفه، ويبدأ بتجنب العديد من الأماكن والمواقف. 

 

ما هي عوامل خطورة الإصابة برهاب الخلاء؟

تزداد مخاطر الإصابة برهاب الخلاء عند توفّر عوامل خطورة معيّنة، منها:

– المعاناة من نوبات هلع أو نوع آخر من أنواع الرّهاب.

– الخوف والرعب الشديد عند التعرّض لنوبات الهلع.

– المرور بأحداث مُقلقة؛ مثل موت أحد الأحبّة، أو التعرّض لسوء المعاملة أو الهجوم.

– المعاناة من طبيعة شخصية متوترة وقلِقَة. 

– وجود أقارب في العائلة يعانون رهاب الخلاء.

 

ما أعراض رهاب الخلاء؟

قد تظهر أعراض وعلامات هذا الاضطراب على صورة واحدة أو أكثر من الأعراض الآتية:

– القلق من فقدان السيطرة في الأماكن العامّة.

– قلة تقدير النّفس، وفقدان الثّقة بالذات.

– المرور بنوبة هلع أو ذعر، والتي قد تظهر على صورة أعراض جسدية مختلفة؛ كالتعرّق، والشّعور بالاختناق، وانقطاع النّفس، والغثيان، والدّوخة، وارتفاع معدّل نبضات القلب، وألم الصدر، والإسهال، والتنميل، والشعور بالوخز، وظهور مشاعر الخوف الشّديد والذّعر.

– ممانعة مغادرة المنزل أو المجازفة في التّواجد بأماكن غير مألوفة.

– الاكتئاب، قد يكون من المشكلات التي تُصاحب هذا الاضطراب. 

– توقّع حدوث التوتّر والقلق في حال احتاج الشخص مغادرة بيئته الآمنة.

– الخوف من التواجد وحيدًا في مواقف اجتماعية.

– الخوف من الأماكن المغلقة؛ كالمسارح، ومحلات البقالة.

– الذعر والقلق من الأماكن التي التي تضمّ جمهور وتجمُّع من الناس، أو الوقوف بانتظام.

– الخوف من الأماكن المفتوحة والكبيرة؛ كالجسور، ومواقف السيارات.

– القلق من النقل والمواصلات العامة؛ كالقطارات، والسفن، والطائرات، والحافلات.

– الشعور بالحاجة للتواجد مع شخص ثقة عند الخروج لأيْ مكان.

– الإحساس الغريب والسيء عند مواجهة الناس، وأنهم يحدقون طويلًا بك.

– الشعور بعدم القدرة على النجاة وتخطي نوبة الذعر.

– وجود شعور عامّ بالفزع.

– الخوف من البقاء وحيدًا في المنزل.

ما هو الفرق بين رهاب الخلاء والاضطرابات النفسية الأخرى؟

سلوكيات التجنّب في حالات رهاب الخلاء تختلف عن المعايير التّشخيصيّة لرهاب معيّن آخر أو اضطراب نفسي آخر، فمثلًا، الذي يعاني رهاب الخلاء قد يتجنب الأماكن المزدحمة، ويخاف من الحرج الذي قد يُسببه التعرّض لنوبة ذعر أمام الكثير من الناس، وهو مختلف عن اضطراب القلق الاجتماعي الذي يعدّ اضطرابًا نفسيًّا منفصلًا، يحدث فيه القلق من فكرة تقييم الآخرين سلبيًّا للشخص، كذلك الأمر مع فكرة رفض الشّخص الذي يعاني من رهاب الخلاء ركوب الطائرة بسبب الخوف من فكرة معاناته من نوبة هلع، وليس بسبب خوفه من الطيران.

 

كيف يتم تشخيص رهاب الخلاء؟

تتشابه العديد من أعراض رهاب الخلاء مع أعراض مشكلات صحية أخرى؛ كمشكلات المعدة، وأمراض القلب، ومشكلات التنفس، ومع ذلك يعتمد التّشخيص في هذه الحالة على الأعراض الّتي يمرّ بها المريض، لذلك يقوم الطبيب بالآتي:

– إجراء الفحص الجسدي وربما بعض الاختبارات لاستبعاد أيْ مشكلات صحية يعانيها.

– معرفة التاريخ الصحي للإصابة بالأمراض.

– سؤال الشخص عن الأعراض التي يعانيها من حيث طبيعتها، ومدة استمرارها، وشِدتها.

 

وفي حال لم تثبت معاناة الشخص من مشكلة صحية معينة تُثير الأعراض، قد يوصي الطبيب بمراجعة أخصّائي نفسي بهدف التقييم والعلاج، مع التأكيد على أنّ الطبيب هو الشخص المسؤول عن تشخيص الإصابة بالاضطراب، وحتّى يتمّ تشخيصك برهاب الخلاء يجب أن تتحقّق الشّروط التّالية:

– يكون لديك خوف واضح جدًّا في اثنين من المواقف على الأقل، مثل: الأماكن المفتوحة، والأماكن المزدحمة، والمواصلات العامّة.

– تحفُّز القلق في كل مرة يتواجد فيها الشخص في موقف يُثير رهاب الخلاء لديه.

– الخوف الذي يشعر به الشخص لا يتناسب مع كميّة التهديد.

– اتباع سلوكيات التوتر أو التجنب التي تؤثر على روتين الحياة اليومي، والعمل، والعلاقات، والدراسة.

– استمرار الأعراض المذكورة هنا لمدّة ستّة شهور على الأقل.

– عدم وجود تفسير لظهور هذه الأعراض متعلق بمشكلة جسدية أو نفسية أخرى.

 

مضاعفات مرض رهاب الخلاء

في حال عدم مراجعة المصاب باضطراب رهاب الخلاء طبيبه المختصّ ولم يبدأ العلاج، فإنه سيعاني من تراجع في طبيعة معيشته وحياته، كأنْ:

– يتأثر إنجاز الأنشطة خارج نطاق المنزل؛ كالعمل، والتّواصل مع الآخرين، وممارسة الهوايات والتمارين، والعديد من الأنشطة الأخرى.

– تبدأ مشاكل الصعوبات الماديّة، والعزلة، والوحدة، والشعور بالضّجر، والذي قد يؤدي إلى تفاقم الحزن الشّديد وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.

– يتفاقم الشعور بالغضب والإحباط.

– تتكوّن أفكار سلبيّة من شأنها تدمير تقديرك لذاتك، وذلك سيسبّب الاكتئاب، وتكوّن أنواع أخرى من القلق والرّهاب.

– تزداد حاجته للبحث عن طرق للتأقلم حتى وإنْ كانت غير صحية، فقد يقع الشخص في مخاطر تعاطي المخدرات والكحول، أو نهم الأكل، وهذا يتسبّب في ظهور مشاكل أخرى.

 

كيف يتم علاج رهاب الخلاء؟

يستجيب رهاب الخلاء مع الخطة العلاجية التي يضعها الطبيب بصورة جيدة، وفي هذا الصَّدد يُذكَر بأنّ عدد من الخيارات العلاجية قد تكون مطروحه للسيطرة على هذا الاضطراب، والتي يعتمد اختيارها على ظروف وطبيعة المشكلة وعلى المُصاب نفسه، ومن هذه الخيارات:

العلاج بالأدوية: مثل مضادّات الاكتئاب ومضادّات القلق؛ التي تُستخدم للسيطرة على بعض الأعراض، وقد يغير الطبيب جرعة الدواء مع الوقت بالاعتماد على حالة المُصاب، لذلك يجب الالتزام بتعليمات الطبيب في هذا الشأن، وعدم إغفال أيْ نصيحة أو توجيه متعلّق بالأدوية.

العلاج النّفسي: وفيه يقوم المُعالج النفسي أو غيره من المختصين بتحديد جلسات للاستشارة النفسية بصورة منتظمة، والتي عادةً ما تستمر لفترة قصيرة في حالة علاج رهاب الخلاء، وفي هذه الجلسات يتم التطرّق بالحديث عن المخاوف والمشكلات التي تحفز هذه المخاوف وكيفية التعامل معها، وقد يتضمن العلاج النفسي نوعًا معين من العلاج، كالعلاج المعرفي السلوكي (Cognitive behavioral therapy)، والعلاج بالتّعرّض أو التعريض (Exposure therapy)، ويُمكن من خلال هذا العلاج تعلّم تمارين الاسترخاء والتنفس، وربما ينصح الطبيب بالانضمام الى مجموعات للدّعم.

 

بشكلٍ عام، يتضمن العلاج الأنسب لحالات رهاب الخلاء العلاج النفسي أو العلاج بالأدوية، أو كلاهما معًا للحصول على أفضل النتائج، مع عدم إغفال أهمية تغيير نمط الحياة ودوره في تخطي المشكلة والاستجابة للعلاج.

 

نصائح للتعامل مع رهاب الخلاء

يساعد الطبيب المختصّ على تحديد أفضل الطرق للسيطرة على أعراض رهاب الخلاء ومواجهة المواقف التي تُشعِرك بالخوف والقلق، وقد يساعدكَ أيضًا اتباع النصائح الآتية:

– حاول التنفّس ببطء وهدوء في المواقف التي تُثير الأعراض لديك، فالتّنفّس السريع والسطحي قد يُفاقم الأعراض.

– استخدم أساليب الاسترخاء التي تناسبك، كالقيام بتمرين معين، أو محاولة إرخاء العضلات، أو ممارسة التأمل.

– اخضع للفحوصات المنتظمة واعرف حالتك الصحية العامة، وحاول فهم أثر التوتّر والقلق على عقلك وجسدك.

– غيّر نمط حياتك، من حيث تقليل أو تجنّب مادّة الكافيين، أو أنواع معينة من الأدوية، أو القيام بممارسة التمارين بشكلٍ منتظم، قم بمراجعة طبيبك للحصول على معلومات أكثر عن ذلك.

– حاول مواجهة البيئة التي تخيفك بشكل منتظم وتدريجي، فذلك يساعدك على إدراك المشكلة والتعامل معها، ومن الضّروري توجيهك من قبل طبيب نفسي.

– اتبع تعليمات الطبيب بحذافيرها والتزم بها، واحرص على زيارته بانتظام.

 

 

وأخيرًا، إذا كنتَ تعاني من أعراض اضطراب الخلاء وبدأتَ تشعر بأنها تُعيقك من إنجاز أعمالك اليومية وممارسة الأنشطة الاعتيادية راجع الطبيب أو المُعالِج النفسي في أقرب فرصة، فلحسن الحظ يُمكن السيطرة على أعراض هذا الاضطراب والشعور بالتحسن مع اتباع الخطة العلاجية المناسبة، واعلم بأنّ نوبات الذعر والرهاب والقلق الشديد وغيرها من المشكلات التي قد تواجهها ليست مدعاةً للحَرَج، لذلك حاول تقوية إرادتك واحصل على المساعدة.

 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى         

 

المراجع:  

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top