ما هي اضطرابات الشّخصيّة؟

الشخصية، هي تِلك السمة التي تميِّز الأفراد بعضهم عن بعض، سواءً في طريقة الإحساس أو التفكير أو السلوك، والتي تتأثر أيضًا بالعديد من العوامل، بعضها يتعلق بالعوامل الوراثية، وبعضها مرتبط بالخبرات المُكتسبة، أو ما يواجهه الفرد من أشخاصٍ ومواقف مختلفة في حياته، وفي الحقيقة، عادةً ما تبقى شخصية الفرد ثابتة ومستقرة خلال فترة حياته، ولكنها قد تتغير لدى البعض وتتخذ مسارًا آخر مختلفًا عن ما هو متوقَّع، ممّا قد يسبّب شعورًا بالضّيق أو إعاقة سير الوظائف الحياتيّة، وهذه الحالات تعاني من ما يُعرف باضطراب الشّخصيّة، فما هي اضطرابات الشخصية؟ في هذا المقال ستجد الإجابة.

ما هي اضطرابات الشخصية؟ 

يُمكن تعريف اضطراب الشّخصيّة (Personality disorder) على أنه شكل من أشكال اختلال وعدم مرونة السلوك والتفكير والشعور، والذي يرافق الفرد لفترات طويلة الأمد، فيُسفر عنه تَبَعات ومشكلات مختلفة، قد تتعلّق بصعوبة تغيير السلوك وآلية التصرف مع المواقف المختلفة، لذلك قد يواجه بعض المصابين باضطرابات الشخصية مشكلة في تشكيل علاقات شخصيّة إيجابيّة مع الآخرين، أو حتى الاحتفاظ بالوظائف. 

ومن الجدير بالذكر أنّه من الضروريّ التمييز بين السّمات الشّخصيّة واضطرابات الشّخصيّة، فالسّمات الشّخصيّة تختلف من شخص لآخر، وهي التي تُعطي كلّ فرد طابعًا خاصًّا به، أمّا اضطرابات الشّخصيّة كما ذكر سابقًا فإنّها تكون عائقًا في حياة المصاب وتؤثر على سير حياته، كما أنها تستدعي العلاج.  

ما أعراض اضطرابات الشخصية؟

تظهر الأعراض عادةً في مرحلة البلوغ أو المراهقة –وهي المرحلة التي تتشكل فيها شخصية الفرد-، كما أنها تختلف بشكلٍ كبير من شخصٍ لآخر بحسب نوع اضطراب الشّخصيّة الذي يعانيه، فلكلّ نوع علاماته وأعراضه المُميزة، ولكنْ يُمكن ذكر بعض من أبرز هذه العلامات في الآتي: 

  • التّصرف بشكل غريب أو غير مناسب.
  • تقلبات مزاجية شديدة، كانفجار نوبات الغضب.
  • وجود مشاكل في العلاقات الاجتماعيّة، وعدم القدرة على الاحتفاظ بالعلاقة بسبب مشاكل الاعتقادات والسلوك.
  • فقدان التعاطف أو احترام الآخرين.
  • الشّك وانعدام الثّقة بالنفس.
  • التقدير الزائد للذات.
  • مواجهة مشاكل في العمل أو الدّراسة.
  • الحاجة المُلحّة لإشباع الرّغبات.
  • أخذ المخاطر غير المدروسة.
  • ضعف الوعي الذاتي أو البصيرة تجاه وجود مشكلة حقيقية في الأفكار أو السلوكيات.

ما هي أنواع اضطرابات الشّخصيّة؟ 

في الوقت الراهن، يستخدم الأطباء والأخصائيين النفسيين نظامًا محدّدًا عند تشخيص الاضطرابات النفسية، ويُمكن لهذا النظام التعرّف إلى عشرة أنواع من هذه الاضطرابات المُصنَّفة ضمن ثلاث مجموعات رئيسية، وهي:

  • المجموعة الأولى (Cluster A)

تتضمّن هذه المجموعة الاضطرابات التي تظهر أعراضها على صورة أفكار أو سلوكيات غريبة وشاذّة وغير معتادة، و يندرج تحتها:

  • اضطراب الشّخصيّة شبه الفصامي أو الفصامانية (Schizoid Personality Disorder)

 إذْ يعاني المصاب بهذا الاضطراب من فقدان اهتمامه بالعلاقات الاجتماعية أو الاحتفاظ بها، وعدم إظهار الاستجابة العاطفية للمواقف المختلفة، كما أنه غالبًا يختار أنْ يكون وحيدًا، ولا يهتم بثناء أو نقد الآخرين له، ويعاني من انخفاض الرغبة في ممارسة الجماع أو انعدامه.

  • اضطراب الشّخصيّة الارتيابيّة أو الشخصية المرتابة أو اضطراب الشخصية الزوراني (Paranoid Personality Disorder)

حيث يعاني المصاب بهذا الاضطراب من الشّكّ الشّديد وانعدام الثّقة بالآخرين، وتأويل أفعالهم ونواياهم على أنها تهدف لأذيّته، والخوف من استخدام الآخرين أيّة معلومات ضده، وتصور الملاحظات أو المواقف مهما كانت بساطتها على أنها إهانات شخصية أو اعتداءات. 

  • اضطراب الشّخصيّة الفصاميّ النوع (Schizotypal Personality Disorder)

حيث يتصرّف المصاب بهذا الاضطراب بشكلٍ غريب، وتكون أفكاره و معتقداته خارجةً عن المألوف، وربما يشكو من القلق المفرط، كما ويعاني المصابون بهذا الاضطراب من عدم قدرتهم على تشكيل العلاقات الاجتماعيّة القوية، أو ربما:

  • سماع أصوات غريبة، كأنْ تهمس هذه الأصوات باسمه.
  • اللامبالاة في الاستجابة.
  • الاعتقاد بإمكانية التأثير على الآخرين والأحداث بالأفكار.
  • الاعتقاد بأنّ الأحداث العادية تُخفي رسائل مقصودة.

 

  • المجموعة الثّانية (Cluster B)

تتضمّن هذه المجموعة الاضطرابات التي تتميز بالسلوكيات الاندفاعيّة، والعواطف غير المستقرة، ويندرج تحتها: 

  • اضطراب الشّخصيّة النّرجسيّة (Narcissistic Personality Disorder)

فيكون المصاب بهذا الاضطراب مغرورًا بنفسه وبحاجة للإعجاب والمديح، فهو يعتقد أنّ لديه أسبابه الخاصَّة التي تجعله مميزًا وأفضل من الآخرين، إلى جانب أنه يفتقد للتّعاطف مع الآخرين، كما وتتعلّق كلّ أحلامه و تخيّلاته بنجاحه وجماله واكتسابه للقوّة، لذلك تظهر عليه الأنانية الشديدة والحسد، وربما يظنّ أنّ الآخرين يحسدونه.

  • اضطراب الشّخصيّة التمثيلي (Histrionic Personality Disorder)

حيث يُظهر المصاب عواطف جياشة بهدف الحصول على اهتمام الآخرين، وتكون حاجته للاهتمام والحصول على رضا الآخرين ملحّة، وتعاني هذه الشخصية من اتخاذ القرارات المتهورة وسهولة التأثر بالآخرين، والشعور الشديد بعدم الارتياح في حال لم تكن مركز الاهتمام، لذلك تسعى دائمًا إلى الترفيه عن الآخرين والاعتماد الشديد على قبولهم وموافقتهم، والاعتقاد بأنّ العلاقات أقوى ممّا هي عليه بالفعل.

  • اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة (Borderline Personality Disorder)

الذي يتميز بسماتٍ عِدة، أهمّها الخوف من الهَجْر، وعدم استقرار العلاقات الاجتماعيّة، والقيام بالتّصرّفات الطائشة والمتهوّرة، وإظهار الانفعالات العاطفيّة الحادّة، إلى جانب عدم تقدير الذات وتغيير الأفكار حول التوجه وميول التفكير بالاعتماد على الأشخاص المحيطين، وقد يتميز الذين يعانون هذا الاضطراب أيضًا من الارتياب المتعلق بالتوتر وتكون هذه المشاعر متذبذبة، إلى جانب الشعور بالفراغ من الداخل.

  • اضطراب الشّخصيّة المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder)

في هذا الاضطراب قد لا يشعر المصاب بتأنيب الضّمير والتعاطف، وربما يتجاوز القوانين ويبدأ بالاعتداء على حقوق الآخرين، وتعريض النفس للمخاطر دون التفكير بالعواقب، كما أنّه في كثيرٍ من الأحيان يشعر بالملل وهو ما يجعل احتفاظه بوظيفة صعبًا، إلى جانب الاستمرار بالكذب والسرقة وخداع الآخرين دون شعور بالندم.

 

  • المجموعة الثّالثة (Cluster C)

تتضمّن هذه المجموعة الاضطرابات التي تتميّز بورود الأفكار والتصرفات القلِقة والمتردّدة والتي يظهر فيها الخوف، و يندرج تحت هذه المجموعة:

  • اضطراب الشّخصيّة الوسواسيّة (Obsessive-compulsive Personality Disorder) 

يتبع المصاب بهذا الاضطراب القوانين بحذافيرها، فهو بحاجة للمحافظة على النّظام، ويصعُب عليه التّأقلم مع التّغيرات التي قد تطرأ في مختلف المواقف التي يواجهها، كما أنه يشعر بقلق شديد إذا لم تكنْ الأمور مثالية وتسير كما يجب، وربما يتميز المصابين بهذا الاضطراب بـ:

  • السيطرة على الميزانية المالية والإنفاق.
  • تجاهل الأنشطة الاجتماعية وملاقات الأصدقاء بسبب انغماسه في العمل.
  • الرغبة في السيطرة على المهام والأشخاص والمواقف، وعدم القدرة على تفويض المهام.
  • السعي لتحقيق الكمال، ممّا يصعِّب إنهاء المشاريع.
  • ننوه إلى أن هذا الاضطراب مختلفٌ عن اضطراب الوسواس القهري (Obsessive Compulsive Disorder)
  • اضطراب الشّخصيّة الاجتنابيّ (Avoidant Personality Disorder)

يبتعد المصاب بهذا الاضطراب عن التعرض للمواقف الاجتماعيّة، إلى جانب تحسّسه الشديد للنقد وربما الشعور بالنّقص والدونية والخجل المفرط، كما قد ينتابه قلق مستمرّ بشأن التعرّض للرفض أو السخرية من الآخرين، وإحساس بالوحدة والعزلة تؤثر على حياته.

  • اضطراب الشّخصيّة الاعتمادي (Dependent Personality Disorder)

إذْ يجد المصاب بهذا الاضطراب صعوبةً في اتّخاذ القرارات التي تواجهه وعدم الثقة بالنفس، والشعور بالخوف من الوحدة والحاجة إلى رعاية الآخرين، لذلك قد يبقى في علاقةٍ متواصلة مع من يسيء له، كما ويواجه صعوبة في مخالفة الآخرين الرأي خوفًا من الرفض، ويبدو عليه السلوك الخاضع والذي يُظهر تشبثًا شديدًا بالآخرين. 

 

ما هي مسبّبات الإصابة باضطرابات الشّخصيّة؟ 

لا توجد أسباب واضحة تؤدي إلى الإصابة بإحدى اضطرابات الشّخصيّة، ولكنْ يعتقد الباحثون بأنّ ارتفاع فرصة تحفيز ظهور اضطرابات الشخصية أو تطورها قد يرتبط بوجود عوامل معينة؛ كالعوامل الوراثيّة، والظروف البيئيّة والاجتماعية المحيطة بالشّخص (خاصّةً ظروف نشأته والمواقف السّلبيّة التي تعرّض لها خلال تلك الفترة).  

متى أراجع الطبيب النفسي؟

يتوجب على الفرد مراجعة الطبيب النفسي في حال ظهرت عليه واحدة أو أكثر من أعراض اضطرابات الشخصية واستمرت لفترة طويلة، وبدأت تُثير المشكلات وتؤثر في جوانب مختلفة من حياته، خاصةً إذا لم تكن مرتبطة بتعاطي المخدّرات أو المعاناة من مشكلة صحية معينة، وذلك حتى يتسنّى للطبيب تشخيص الحالة وعلاجها بطريقة مناسبة، وتجنيب المصاب أيْ مضاعفات ومخاطر قد تنجم عن الإصابة ببعض هذه الاضطرابات، كالإقدام على الانتحار وإيذاء النفس. 

ننوه إلى أنه لا يتم تشخيص الأطفال مادون سن الثامنة عشر بأي اضطراب في الشخصية حيث أن الشخصية في هذا المرحلة العمرية مازالت تتكوّن وتتطور، كما يجدر الذكر بأنه من الممكن أن يتم تشخيص الفرد البالغ بأكثر من اضطراب واحد في الشخصية، كما وقد يعاني بعض الأشخاص من بعض سمات اضطراب الشخصية دون الإصابة بالاضطراب بأكمله، مما يعني ضرورة مراجعة الطبيب النفسي لتقييم الحالة بالشكل الصحيح.

كيف يتمّ علاج اضطرابات الشّخصيّة؟ 

قد تختلف طريقة علاج اضطرابات الشخصية بالاعتماد على نوع الاضطراب الذي يعانيه الفرد، وهو ما يحدّده الطبيب المسؤول عن الحالة. وعمومًا، من أهم وسائل العلاج المستخدمه لحالات اضطرابات الشخصية:

العلاج النفسي   

فالعلاج النّفسيّ هو أساس السيطرة على الاضطرابات النّفسيّة بفعالية وعلى المدى البعيد، وتتضمن جلسات العلاج النفسي الحوارية أنواعًا مختلفة، كالعلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy or CBT)، والعلاج السلوكي الجدلي (DBT or Dialectical behavior therapy)، والتربية النفسية (Psychoeducation)، والعلاج النفسي الديناميكي (Psychodynamic psychotherapy)، وغيره من الأنواع الأخرى.

العلاج الدوائي

فربما يوصي الطبيب باستخدام أنواع معينة من الأدوية للسيطرة على بعض الأعراض التي يعانيها المصاب بحسب ما يراه مناسبًا، كمضادات الاكتئاب، ومضادات القلق، والأدوية المثبتة للمزاج، مع الإشارة إلى عدم وجود أدوية معينة تُستخدم لعلاج اضطرابات الشخصية بشكل محدّد.

قد تتغير خطّة العلاج التي يضعها الطبيب بحسب تقدّم أو تراجع حالة المصاب، وما يمرّ به خلال حياته، لذلك يتوجب دائمًا على الأفراد المصابين باضطرابات الشخصية متابعة الطّبيب وزيارته باستمرار والالتزام بالعلاج الذي يحدّده، وعدم وقفه أو تغييره أو تعديل جرعته دون الرجوع إلى المُختص أولًا. 

 

نصائح للمصاب باضطرابات الشخصيّة

قد يُساعدكَ إنْ كنتَ تعاني من إحدى اضطرابات الشخصية بناءً على تشخيص الطبيب المختص اتباع مجموعة من النصائح العامة، والتي من أهمها:

  • الاستعانة بدعم الأفراد المحيطين من العائلة والأصدقاء.
  • اتّباع نظام حياة صحّي يتضمن توفير غذاء متوازن وسليم، وممارسة إحدى الرياضات، وأخذ قسط كافٍ من الرّاحة يوميًّا.
  • ممارسة التأمل وتمارين الاسترخاء التي تساعدكَ على توجيه تركيزك نحو الأفكار الإيجابية.
  • كتابة اليوميّات بالطّريقة المناسبة لمعرفة طريقة تفكيرك، والبدء بتغيير أساليب التّفكير السّلبيّة.
  • تدوينك جمل مديح الآخرين والمواقف السعيدة التي ترفع المعنويات، والاطلاع عليها باستمرار.
  • وضع خطّة سهلة التّطبيق لمساعدتك على قضاء اليوم وإنجاز أكبر قدر مُمكن من المهام بأقلّ جهدٍ ممكن، وبطريقة لا تزيد الحالة سوءًا. 
  • زيادة المعرفة حول الاضطراب الذي تعانيه، وما يسهِّل التّعامل معه، فكلّ منّا لديه أسلوب مختلف للتّأقلم مع مختلف المواقف والصّعوبات. 
  • تناول الأدوية التي يصِفها الطبيب بناءً على تعليماته وبالجرعة التي يُحدّدها.
  • الاعتناء بالنفس والصحّة بشكلٍ دوريّ، فالوقاية خيرٌ من العلاج. 

 

وفي النهاية، اضطرابات الشخصية كثيرة ومتنوعة، وأعراضها تختلف بشكلٍ كبير من شخص لآخر، لذلك لا يُمكنك تشخيص أيْ من هذه الاضطرابات بناءً على ظهور عَرَض أو أكثر دون الأخذ بالمشورة الطبيّة، واعلم بأنّ التعامل مع هذه المشكلات مُمكنٌ وليس مستحيل، ولكنّه يحتاج إلى الصبر والمثابرة.

 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى   

 

المراجع

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top