هل تفيد تقنية استجابة القنوات الحسيّة الذاتيّة (ASMR)؟

يساعدُنا الاسترخاء على تصفيةِ أذهاننا والحصولِ على بعضِ الراحة عندما نعمد إلى الهروبِ من ضوضاءِ الحياةِ والمواقِف اليوميّة المزعجة، فيجدُ البعضُ راحتهُ أثناءَ الجلوسِ في غرفةٍ هادئة مع الاستلقاء على فراشٍ مريح، بينما يميلُ البعضُ إلى أخذِ حمّامٍ دافئ ممزوجٍ بروائِحَ عطريّة تبُثُّ الراحةَ في النفس بعد يومٍ طويلٍ ومرهق، أو ربمّا يجدُ آخرون بأنّ الاستماعَ إلى الموسيقى الهادئة أو الأصواتِ الرتيبةِ بدرجةٍ منخفضة، قد يساعدُ على تهدئةِ أنفسِهِم وإزاحةِ الحِمل الثقيلِ عن صدورِهم، ومن بينِ الطرقِ التي قد تساعدُ البعضَ على الاسترخاء، تقنيةٌ تُعرفُ باسم: "استجابةُ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة"، فما هي هذه التقنية؟ وما فائدتُها تحديدًا؟ هذا ما سنتعرفُ عليهِ في هذا المقال.     

 

ما هي استجابةُ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة(ASMR

تصِفُ استجابةُ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة (Autonomous sensory meridian response or ASMR) الشعورَ بتنميل يبدأُ من الرأس ويتحرّكُ نزولًا على طولِ الرقبةِ من الخلف، وقد يصلُ أحيانًا إلى باقي أنحاءِ الجَسد، عند التعرّضِ لمحفّزٍ معيّن، سواءً كان محفزًا صوتيًا أو محفزًا مرئيًا، أو حتى محفزًا ملموسًا ينجم عن التواصل المباشِر مع شخصٍ آخر شخصيًّا، وقد يصِفُ البعضُ تجربةَ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة بأنّها طريقةٌ تساعدُ على الشعورِ بالاسترخاءِ والهدوءِ في الجسم، بدءًا من فروةِ الرأس ونزولًا للأسفل، وقد تفيدُ في تخفيفِ القلق وتحسينِ نوعيّةِ النوم لدى الكثيرين، ومع ذلك، اقترحت إحدى الدراسات بأنّ الأفراد الأكثر قلقًا هم أكثرُ استفادةً من تقنيةِ (ASMR).

  

أمثلة على مثيراتِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة(ASMR):

عادةً ما تكونُ مثيراتُ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة عبارةٌ عن حركاتٍ أو أصواتٍ هادئة ومتكرّرة، ويختلفُ الأفراد عن بعضهِم البعض في إمكانيّةِ الاستجابةِ لها، ومن الأمثلةِ على هذه المثيرات:

  • تقليبُ صفحاتِ المجلّات.
  • هطولُ المطر.
  • طيُّ المناشِف.
  • تمشيطُ الشعَر.
  • الهمسْ.
  • الدقّ أو القرعِ الخفيف.
  • حركةُ أوراقِ الشجر أو قضمِ تفاحة، أو الأصواتِ المشابهةِ الأخرى.
  • الحركاتُ البطيئة.
  • تركيزُ شخصٍ ما عليك عن كثب، كما يحدثُ أثناءَ الفحصِ الطبيّ أو قصِّ الشعرِ مثلًا.

 

فائدةُ تقنيةِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة(ASMR):

يدّعي أنصارُ استخدامِ هذه التقنيّة بأنّها قد تفيدُ في جوانب عِدّة، أبرزُها:

  • تقليلُ سرعةِ نبضِ القلب.
  • الاسترخاء.
  • تخفيفُ القلق، حيث أن طريقة استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة قد تُسهمُ في خفضِ سرعةِ دقاتِ القلب، كذلك، تعزيزُ شعورِ الارتباطِ مع الآخرين.
  • تعزيزُ مستوى الانتباهِ والتركيز.
  • تحسينُ أعراضِ الاكتئاب ربما لتأثير هذه التقنيّة على المزاج.
  • تخفيفُ الألم، إذ أظهرت إحدى الدراسات أنّ استخدامَ مجموعةٍ من الأفراد الذين يعانونَ من الألم المزمِّن، تقنيةَ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة، قد أفادَ مؤقتًا في تخفيفِ الألمِ لديهم.
  • تحسينُ النوم، فقد يساعدُ الشعورُ بالاسترخاء على تعزيزِ النومِ بهدوء وراحة، إذ لوحظَ بأنّ تقنيةَ استجابةِ القنواتِ الحسيّة قد تثيرُ الموجاتِ الدماغيّة التي يحتاجُها الجسم عند النوم ليحافِظَ على الاسترخاءِ والراحة.

 

ومع ذلك، لم يؤكد العلماء على فعاليّة استخدامِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة في علاجِ الأرق، والتوتُّر، ونوباتِ الهلع، والاكتئاب، ولم تُعرف آليّةُ عملِها بالفعل، وسببُ اختلافِ تأثيرِها على الأفراد، وهذا ما يقودُ الباحثينَ والعلماء إلى إجراءِ مزيدٍ من الدراساتِ والأبحاث على الدماغ أثناءَ التعرّضِ لتقنيةِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة للحصولِ على مزيدٍ من الأدلّةِ والمعلومات حولَ هذا الموضوع.

 

هل استجابةُ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة (ASMR) من تقنياتِ الوعيّ التام؟ 

قد تتعلّقُ تقنيةُ استجابةِ القنواتِ الحسيّة بالوعيِّ التام (Mindfulness)، وفق إحدى الدراساتِ التي نُشرت في عام 2018م، إذ لوحِظَ أنّ المشاركينَ في هذه الدراسة ممّن استخدموا تقنيةَ (ASMR)، قد حققوا درجاتٍ مرتفعةٍ على مقياس الانتباهِ والوعيّ اليقِظ (Mindful Attention and Awareness Scale or MAAS)؛ وهو عبارةٌ عن استبيان يقيسُ عُنصرَ الانتباهِ في نهجِ اليقظةِ الكاملة، وهذا قد يعني وجودَ علاقةٍ بين تقنيةِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة والوعيّ التام.

 

استجابةُ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة (ASMR) واضطرابُ فرطِ الحركةِ ونقصِ الانتباه: 

يتميّزُ اضطرابُ فرطِ الحركة ونقصِ الانتباه(ADHD)، بظهورِ مجموعةٍ من السماتِ على المُصاب، مثل فرطِ النشاطِ والحركة، والميلُ إلى السلوكيّاتِ الاندفاعيّة، وصعوبةُ المحافظةِ على مستوى الانتباه والتركيز، وقد تُظهرُ هذه المشكلات استجابةً إيجابيّة لتمارينِ التأمُل واليقظةِ الكاملة، ومن جانبٍ آخر، اقترحت عددًا من الدراسات إمكانيَّةَ تأثيرِ تقنيةِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة على التركيز لدى الأفراد، فهي قد تساعدُ على تحسينه، وهذا يعني أنّها قد تفيدُ الأشخاصَ الذين يعانونَ من صعوبةٍ في التركيز، ولكن لم تَثبُت فعاليّته لدى الأشخاص الذين يعانونَ من هذا الاضطراب بالذات.

 

استجابةُ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة (ASMR) والتوحُد:

يعتبرُ استخدامُ تقنيةِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة سلاحٌ ذو حدّين لدى مرضى التوحُد، ففي حينِ أنّه قد يساعدُ أحيانًا على تخفيفِ التوتُّر والقلق، وتهدئةِ النفسِ بعد ثورةِ التحفيزِ والهياج، لوحِظَ أنّه قد يتسبّبُ لدى بعضِ مرضى التوحُد في تفاقُم أعراضِ فرطِ التحفيزِ أو الخوفُ من الأصواتِ أثناءَ استخدامِ هذه التقنيّة، وربما يؤدي إلى زيادةِ مقدارِ الضّرر بدلًا من الفائدة المرجوّة منه، ولاعتمادِ السبيلِ الأكثرِ أمانًا وسلامةً مع مرضى التوحُّد، يمكنُ اعتمادُ استخدامِ الفيديوهات التي تعرِضُ محفّزاتٍ بصريّة لإعطاءِ التأثيرِ المهدئ، بدلًا من استخدامِ الفيديوهاتِ المعتمدةِ على التحفيزِ السمعيّ والتي تتضمّنُ أصواتًا قد تستفزُّ وتثيرُ التوتُّرَ لدى المصاب.

 

هل تفيدُ استجابةُ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة (ASMR) في حالاتِ الصُداع؟

اقترحت العديدُ من الدراسات وجودَ علاقةٍ بين تقنية (ASMR) وتخفيفِ الصداع، ويعزى ذلك إلى ارتباطِ صداعِ التوتُّر بحالاتِ التوتّر أو شدّ العضلاتِ في الرقبةِ والرأس، وهي من أكثر أنواعِ الصُداعِ شيوعًا، ومع ذلك، لا يوجدُ دراسات تبحثُ في وجودِ علاقةٍ مباشرةٍ بين الصُداع واستخدامِ تقنيةِ (ASMR)، ولكن يمكنُ تجرِبَةُ هذه الطريقةِ في تخفيفِ الصُداع بعد محاولةِ علاجهِ بالطرقِ المعروفة، أي بشربِ كمياتٍ كافيةٍ من الماء، وتناول مسكناتِ الألم.

  

لماذا يتجنّبُ البعض تقنيةَ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة (ASMR

يتجنّبُ البعضُ استخدامَ تقنيةِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة، لأنّه قد يشعرُ بأنّ الأصواتَ المستخدمةَ فيها مثيرةٌ للتوتُّر والهياجِ أو الحُزن، أو أنّه لا يشعرُ بأي تغيير عند محاولةِ استخدامِ هذه التقنيّة للاستفادةِ من مفعولها، فقد لوحِظَ بأنّ تقنيّة (ASMR) لا تفيدُ جميعَ الأفراد، بل وقد يظهرُ نفورُ المصابينَ بحالةِ الميزوفونيا (Misophonia) عند استخدامِ أصواتٍ معينة خلالَ تقنيةِ (ASMR)، كونُها تكونُ محفّزَةً لاستجابةِ الكرِّ والفرّ والتحفيزِ لديهم.  

 

هل يمكنُ إدمانُ استخدامِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة (ASMR

مشاهدةُ الكثيرِ من الفيديوهات التي تعتمدُ تقنيةَ (ASMR)، لا يعني بالضرورةِ أنّ ذلك قد ينعكسُ سلبًا على حياتِك، ولكنّها في بعضِ الحالات تسبّبُ مشكلاتٍ في العلاقات، وزيادةِ احتمالية ظهورِ ممانعة لتأثيرِ التقنيّة على النفس، وعدمُ الاستجابةِ لها، لذلك، يجبُ مراجعةُ الطبيب في حال بدأت هذه التقنيّة تؤثِّرُ على سيرِ الحياةِ الاعتياديّة أو بدأت تُشعرُكَ بضرورَةِ الاعتمادِ عليها من أجل أداءِ الوظائِف اليوميّة الاعتياديّة. 

 

وأخيرًا، قد تساعدُ تقنيةُ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة على تخفيفِ التوتُّر والقلق وتحسينِ الاسترخاء، فنحنُ نعمد للبحثِ عن أيّٓ طريقةٍ تساعدُ على تهدئةِ مشاعرِنا وتخفيفِ الضغوطاتِ النفسيّة التي نحملُها على عاتقنا، ولكن اعلم دائمًا بأنّ ما يفيدُ غيرَك ليسَ بالضرورةِ أن يُظهِرَ الفعاليّة ذاتها بالنسبةِ لك، فأحيانًا لا يستفيدُ الأشخاص من استخدامِ هذه التقنيّة للاسترخاء، بل وربما تكونُ سببًا في تفاقُم شعورِهم بالتوتُّر والعصبيّة، لذلك اختر طريقةَ تحفيزِ استجابةِ القنواتِ الحسيّة الذاتيّة التي تناسبُك، ولا تتردَّد في مراجعةِ الطبيب، إن شعرتَ بأنّك تسيءُ استخدامَ هذه التقنيّة، وبدأت تُؤثِّر على حياتِك وعلاقاتِك.

 

***تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق المحتوى.

 

المراجع:

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top