هوس العشق (Erotomania)
قد تشعر بأنّ شخصًا التقيت به مُعجبٌ بك عند ملاحظتك بعض العلامات والأدلة الواقعية التي تُثير هذه الفكرة في رأسك، أو ربما تتخيّل نفسك على علاقة مع شخصية مشهورة تفضّلها كنوع من التخيّل وتمنّي الشيء الذي تحبّه وتتمناه، مع يقينك بأنّ حدوث هذا الأمر صعبٌ لعدم وجود أيْ رابط أو علاقة بينكما، غير أنّ فئةً من النّاس تهمّش وجود هذه العقبات في مخيلتها وتعتقد بصدق أنّ هذا الشخص المهمّ والمعروف لديه مشاعر حب تجاههم، فما سبب حدوث ذلك؟ وهل له علاقة بما يُعرَف بهوس العشق؟
ما هو هوس العشق؟
هوس العشق أو الهوس الشّبقيّ(Erotomania)، أو متلازمة دوكليرامبو(De Clérambault syndrome) ؛ هو أحد أشكال الأوهام الارتيابيّة(Paranoid Delusion) نادرة الحدوث، والتي يعتقد فيها المصاب ويركّز بشدّة على فكرة أنّ شخصًا ما يحبّه رغم وجود الأدلة التي تنفي حدوث ذلك، وعادةً ما يكون هذا الشّخص من المشاهير أو السياسيين، أو من له منزلة اجتماعيّة رفيعة يصعب الوصول إليه، أو شخصًا لم يحدث لقاء فعليّ معه، كما يعتقد المصاب بأنّه واقع في علاقة غرامية مع هذا الشخص، الأمر الذي يجعله غير قادر على تقبّل الواقع والحقائق التي تثبت عكس ذلك، ويكون على يقين أنّ ذلك الشخص يُرسل له رسائل سريّة للتواصل معه.
ما هي أسباب الإصابة بهوس العشق؟
- رغم عدم معرفة السّبب الرّئيسيّ للإصابة بهوس العشق، فهو قد يحدث بسبب اجتماع عوامل معينة تؤثر على الإصابة به، منها:
- العوامل الوراثيّة والجينيّة.
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بمشكلات الصحّة النفسيّة.
- الصّدمات والضّغوطات النّفسيّة؛ فمن الممكن أن تتطوّر لدى الشّخص حالة هوس العشق كوسيلة تأقلم مع الضّغوطات التي يتعرّض لها.
- العزلة الاجتماعيّة، والتي قد يكون سببها تعرّض الشّخص للتّنمّر.
- التّعرّض للهَجْر أو الإهمال العاطفيّ، أو الشّعور بعدم تحقيق الذّات عاطفيًّا، أو قِلة تقدير الذات.
كما أشارت بعض الدّراسات الحديثة إلى التّأثير السّلبيّ لوسائل التّواصل الاجتماعيّ على الأشخاص، ودورها في زيادة فرص الإصابة بهوس العشق أو تفاقم أعراضه من حيث توفير كم هائل من المعلومات حول الأفراد والمشاهير، وإمكانية مراقبة ومتابعة شخص معين دون معرفته بذلك.
ويُذكر أيضًا بأنّ هوس العشق قد يكون واحدًا من أعراض الإصابة بمشكلات واضطرابات نفسيّة معينة، مثل الفصام، واضطراب ثنائي القطب، ومرض ألزهايمر، واضطراب الاكتئاب الشديد المصحوب بخصائص ذهانيّة، والخَرَفْ(Dementia) ، والأورام الخبيثة في الدّماغ، كما أنّ تعاطي بعض أنواع المخدّرات قد يكون سببًا لتطوّر أعراض هوس العشق.
ما هي أنواع هوس العشق؟
بالاعتماد على وجود أو عدم وجود اضطرابات نفسيّة أخرى، يوجد نوعين من هوس العشق، هما:
- هوس العشق الأساسيّ(Primary Erotomania) ؛ والذي يعدّ من أنواع الاضطرابات الوِهاميّة، وفيه لا يعاني المصاب من أي اضطراب نفسي آخر، ويستمرّ وجود أعراضه لفترة طويلة والتي غالبًا ما تتطوّر وتظهر بشكلٍ سريع، وقد يجد المصاب بهذا النّوع من الهوس صعوبة في الاستجابة للعلاج.
- هوس العشق الثّانويّ(Secondary Erotomania) ؛ ويعدّ عَرَضًا من أعراض مشكلات واضطرابات نفسيّة أخرى غير الاضطراب الوهامي، وفيه يبدأ ظهور الأعراض ببطء وبشكلٍ تدريجيّ على شكل نوبات، و يعدّ العلاج النّفسيّ والدّوائيّ فعّالًا في السّيطرة على هذا النّوع من الاضطرابات.
ما هي أعراض الإصابة بهوس العشق؟
بينما تختلف طبيعة الأعراض وشِدتها من شخصٍ لآخر، فإنّ الاعتقاد الخاطىء وتوهّم وجود علاقة عاطفية وحب وعشق من قِبل شخص ما هو العَرَضَ الرّئيسيّ لهوس العشق، وفي هذه الحالة قد لا يعلم الطرف الآخر حتى بوجود هذا الشخص الذي يعاني من هوس العشق.
ومن الأعراض التي قد تُصاحب هذا الاضطراب:
- شعور المصاب بالشّوق والحنين للمهووس به.
- الغيرة من المقرّبين للطرف الآخر، خصوصًا إذا شعر أنّه على علاقة عاطفية مع أحدهم.
- الإحساس بالوحدة والفراغ العاطفيّ وتدنّي الثقة بالنفس.
- عدم تقبّل التعرّض للرفض أو التهميش من ذلك الشّخص.
- قيامه بسلوكيات معينة لمحاولة إنشاء علاقة مع المهووس به؛ كملاحقته دون علمه، أو إرسال الرّسائل المكتوبة أو الصّور له، أو الاتصال به هاتفيًّا، وغيرها من التّصرّفات المريبة.
- التحرش بالطرف الآخر في الأماكن العامّة، وقد يصل ذلك للحد الذي يوقعه في المتاعب والمساءلة القانونية.
- محاولة إيجاد رسائل سرّيّة موجّهة من الطرف الآخر، سواءً في حديثه أو كلمات أغانيه أو فيما ينشره على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، أو حتّى ما يرتديه.
- الاطلاع بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي للشخص الآخر في حال كان من الشخصيات المعروفة أو المشهورة.
- عدم الاهتمام بممارسة أنشطة أخرى مختلفة عن الحديث عن الشخص الذي يعتقد بوجود علاقة عاطفية معه، أو القيام بسلوكيات مرتبطة به.
هل هوس العشق خطِر؟
قد يكون في بعض الحالات خطِرًا، لاحتمال حدوث الآتي:
- أذيّة الأشخاص المقرّبين لمن يتوهّم محبته له أو من يتعامل معهم، خاصّةً إن تواصل الشّخص مع المصاب ليطلب منه إيقاف هذه التّصرّفات أو ليُعلِمه بأنّ محاولاته في التّواصل غير مرغوب بها.
- إيذاء المُصاب نفسه عندما يُخبره أحدهم بأنّ ما يؤمن به هو مجرّد وهم ولا أساس له.
- إثارة الخوف لدى الطرف الآخر عند محاولة المُصاب التحدّث معه، وفي الحالات الشديدة قد تُرفع شكوى للقضاء بشأن التعرّض للمطاردة والمضايقة من قِبله، والقبض عليه.
- تعرّض أحد الطرفين للوفاة، ولكنّه يحدث في حالات نادرة.
كيف يتمّ تشخيص الإصابة بهوس العشق؟
لأنّ هَوَس العشق من الاضطرابات النادرة، يكون تشخيص الإصابة به تحديًّا بالنسبة للطبيب النفسي، لذلك غالبًا ما يتطلّب التشخيص طلب المساعدة من طبيب متمرّس وله خبرة جيّدة في التعامل مع حالات التوهم والفصام.
وبشكلٍ عام، عند مراجعة الطبيب لتشخيص الحالة فإنّه غالبًا ما يبدأ قبل كلّ شيء بأخذ التاريخ الطبي للمُصاب، واستثناء الإصابة بالمشكلات الصحية، وقد يلجأ بعد ذلك إلى تحويل الشخص للطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي لتقييم المشكلة واستثناء الإصابة بالفُصام أو اضطرابات المزاج أو تعاطي المخدّرات، وتحديد الأعراض التي تظهر على الشخص، ومعرفة مقدار تأثيرها على حياة المصاب وقدرته على ممارسة الأنشطة اليومية الاعتيادية.
كيف يتمّ علاج هوس العشق؟
لا يميل المُصاب إلى طلب المساعدة كونه لا يرى وجود مشكلة في تصرّفاته، فهو يعتقد أنّ أوهامه حقيقة لا يُمكن إنكارها، وهذا ما يُعيق بدء العلاج، كما أنّ الاستجابة للعلاج تختلف من شخص لآخر بالاعتماد على نوع المساعدة المُستخدمة للسيطرة على الأعراض، وحاجة المُصاب، ومقدار رغبته في التّحسّن والحصول على المساعدة، وبدء العلاج في وقتٍ مبكّر قبل ظهور التّصرّفات العنيفة والعدوانيّة، وغيرها من العوامل.
ومن العلاجات المتاحة للسيطرة على أعراض هَوَس العشق:
العلاج النّفسيّ
وهو من العلاجات الأساسية لحالات هوس العشق، وتُشير بعض الدّراسات إلى فعالية العلاج المعرفيّ السّلوكيّ(Cognitive Behavioral Therapy) في إدارة الهوس والسّيطرة عليه، فهو يساعد المُصاب على فهم مصادر أفكاره وتصرّفاته، وكيفيّة التّعامل معها بطريقة سليمة، وعلى الطّبيب النّفسيّ الانتباه لتأثير وسائل التّواصل الاجتماعيّ عند وضعه خطّة العلاج المناسبة.
العلاج الدّوائيّ
عادةً ما يكون هذا العلاج مرافقًا للعلاج النّفسيّ إذا استدعى الأمر،فقد يصف الطّبيب النّفسيّ إحدى مضادّات الاكتئاب(Antidepressants) ، أو مثبّطات القلق(Anxiolytics) ، أو مضادّات الذّهان(Antipsychotics) ؛ لمساعدة المصاب على التّعامل مع أعراضه، أو للسيطرة على الاضطراب المرافق للهوس.
الإدخال إلى المستشفى
ويكون ذلك في الحالات التي يُقدم فيها المصاب على إيذاء نفسه أو الآخرين، إذْ يتلقّى الرعاية اللازمة إلى حين تحسّن أعراضه، وبحسب القانون يتم اتّخاذ القرار بشأن إجبار المُصاب على العلاج.
حاول التواصل مع الطبيب أو الأخصائي النفسي إذا راودتك شكوك حول إصابة أحد أصدقائك او أقاربك بهوس العشق لتتمكّن من تقديم المساعدة له في وقتٍ مبكّر قبل تفاقم المشكلة وما يترتّب عليها من إيذاء للنفس أو للآخرين، فهذا الاضطراب يُمكن الحدّ من تبعاته وتخفيف تأثيره على حياة المُصاب باتّباع خطّة علاجية محدّدة، وضع باعتبارك دائمًا أنّ الاستشارة النفسية تساعدك على تخطّي ما تعانيه من أوهام أو قلق أو اكتئاب أو شعور بانعدام القيمة والوحدة، وتكوين العلاقات الاجتماعية الفعّالة مع الآخرين، فلا تتردّد في طلب المساعدة.
*** تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق إعداد المحتوى
المراجع: