اضطراب قلق الانفصال (Separation Anxiety Disorder)

يُظهر الطفل في مُعظم الأحيان تعلُّقًا بأحد والديه أو بكليهما أو بأحدٍ من إخوته في مرحلةٍ ما من حياته، وقد يشعر بالخوف من مغادرة المنزل وخوض التجارب الجديدة في بدايتها، كالخروج إلى مكان معين للمرّة الأولى، غير أنّ ما يحدث هو أمرٌ طبيعيّ، وغالبًا ما يجتاز هذا الخوف بمجرّد اعتياده على الموقف، ويزداد شعوره بالأمان والطمأنينة في البيئة الجديدة، ولكنّ البعض منهم يتملكه شعور الخوف والتوتر بشكلٍ كبير عند ابتعاده عن المنزل أو حتى تفكيره بالأمر، فهل لذلك علاقة باضطراب قلق الانفصال؟

ما هو اضطراب قلق الانفصال؟

يظهر قلق الانفصال كحالة طبيعيّة خلال مراحل تطوّر الأطفال، خاصةً بين عمر 8 شهور و14 شهر، فالطفل غالبًا ما يمر في مرحلة الخوف من زيارة أماكن جديدة أو التعامل مع أشخاص غير مألوفين خارج نطاق معارفه وأسرته، ولكنْ، عادةً ما يزول قلق الانفصال خلال السّنوات الثّلاث الأولى من عمره، مع اختلاف شِدة القلق ووقت تحسّنه من طفل لآخر.

ولكنْ على الوالدين تذكر أنّ القليل من القلق الذي يُظهِره الطفل عند تركهم هو طبيعيّ، حتى لو كان الطفل أكبر عمرًا، إذْ يُمكن السيطرة على هذا القلق والتخلص منه كليًّا باتباع بعض الاستراتيجيّات المدروسة التي تساهم في التخلص من المخاوف أو تخفيفها، وتعلّم كيفيّة التّواصل مع الآخرين.

أمّا اضطراب قلق الانفصال (Separation anxiety disorder or SAD)‏  فهو من اضطرابات الصحة النفسية التي تظهر على صورة قلق شديد وخوف يتولد لدى الطفل حول ابتعاده عن أفراد عائلته أو غيرهم من الأشخاص الذين يعتنون به، والذي يظهر خلال مرحلة الدراسة الابتدائية أو بعد ذلك، ولا يزول حتى مع المجهود الذي يقدمه الأهل في التغلب عليه، وقد يصاحب هذا القلق ظهور بعض الأعراض الجسديّة على الطفل، ويترتب عليه مشاكل أخرى تؤثر سلبًا على حياته.

ما هي أسباب وعوامل خطورة الإصابة باضطراب قلق الانفصال؟

يعتقد العلماء بأنّ الإصابة باضطراب قلق الانفصال يتعلق بوجود عوامل بيولوجيّة وبيئيّة معينة تزيد من فرصة الإصابة بالاضطراب، منها:

– خلل توازن السيروتونين (Serotonin) والنورإبينفرين(Norepinephrine)  في الدّماغ، وهذا قد يلعب دورًا مهمًّا في حدوث الاضطراب.

– وراثة الطفل جينات معينة تجعله أكثر ميلًا للقلق، فربما يوجد تاريخ عائلي للإصابة بالقلق أو الاكتئاب.

– تعلّم الطفل القلق والخوف من أفراد عائلته وغيرهم.

– تغيّر البيئة المحيطة؛ مثل السّكن في بيتٍ جديد، أو الانتقال إلى مدرسةٍ جديدة.

– التعرّض للضّغط النّفسيّ والتوتر (Stress) بسبب تغيير المدرسة، أو طلاق الوالدين، أو فقدان شخص عزيز أو حيوان أليف.

– الارتباط المتزعزع أو غير الآمن(Insecure Attachment)  مع الوالدين، بينما يساهم الارتباط السّليم بين الطّفل وأهله في تعزيز ثقته وشعوره بالأمان، ليكمل مراحل تطوّره بشكلٍ سليم.

– المبالغة في الحماية من قِبَل أحد الوالدين أو كليهما؛ حيث يعزّز فرط الحماية خوف الطّفل من الأشياء حوله، كونه لم يتعلّم كيفيّة التّعامل مع ما يجهله ويخيفه.

– انخفاض مستوى المعيشة الاقتصادي والاجتماعي.

– شخصية الطفل الخجولة.

– وجود تاريخ سابق للإصابة بالاكتئاب أو اضطراب الوسواس القهري (OCD).

– المعاناة من اضطرابات القلق الأخرى، كاضطراب القلق الاجتماعي، أو نوبات الذعر، أو الفوبيا، أو رهاب الخلاء (Agoraphobia).

ما هي أعراض اضطراب قلق الانفصال؟

تختلف طبيعة أعراض اضطراب قلق الانفصال وحدّتها من شخصٍ لآخر، وعمومًا، من أبرز هذه الأعراض:

– القلق الشّديد والمتكرّر بخصوص الابتعاد عن المنزل والوالدين، أو أيْ شخص يتعلّق به الطّفل.

– الخوف من حدوث شيء سيء لمن يُحبهم أثناء غيابه.

– القلق المستمر من حدوث أمر سيء يؤدّي إلى انفصال العائلة بشكلٍ دائم، كالضّياع أو الاختطاف، أو فقدان الوالدين بسبب المرض أو الموت.

– التّردّد أو رفض الخلود إلى النّوم؛ بسبب الخوف من البقاء وحيدًا، أو بسبب الكوابيس التي تراود الطّفل، وهذا قد يترتب عليه معاناته من الأرق.

– رفض الذّهاب إلى المدرسة، إذْ يبذل الطّفل ما بوسعه للبقاء في المنزل بسبب خوفه.

– ظهور الأعراض الجسديّة؛ كالصّداع وآلام المعدة، والتي تظهر وقت الابتعاد عن المنزل والأهل، أو قبل ذلك، وغالبًا ما يشكو الطفل من أنّه مريض.

– التشبث والإمساك الشديد بوالديه أو الشخص الذي يتعلق به، فهو يتحرّك معه كظله، وربما يتشبث بذراعه أو ساقه عند سيره.

– حدوث التبول الليلي.

– التّعلّق المفرط بالوالدين، والبكاء وانفجار نوبات العصبيّة المبالغ بها.

– الشعور بالخوف الحاد، أو الإحساس بالذنب الشديد، والخوف من البقاء وحيدًا.

آثار اضطراب قلق الانفصال؟

في حال كان الطفل مصابًا بهذا الاضطراب، فمن المرجَّح أنْ يعاني من مشاكل كبيرة في التطور الاجتماعي والعاطفي لديه، فيكون أداؤه في المواقف الاجتماعية سيئًا؛ سواءً في المدرسة أو في العمل، ومن المحتمل أنْ تتأثر العائلة أيضًا من بعض المشكلات، مثل:

– غيرة الإخوة من الاهتمام الشديد المقدَّم للطفل الذي يعاني الاضطراب.

– انحصار أنشطة العائلة في مجال ضيق؛ بسبب السلوك السّلبي الذي يتبعه الطفل.

– إهمال الشريكين علاقتها ببعض، أو عدم الاهتمام بأنفسهما، وهذا قد يولّد الضجر.

كيف يتمّ تشخيص اضطراب قلق الانفصال؟

عند مراجعة الطبيب لتشخيص اضطراب قلق الانفصال فإنّه عادةً ما يقوم بالآتي:

– التّحقّق من أعراض قلق الانفصال لدى الطّفل، وسؤال الأهل عن الأعراض التي تظهر عليه.

– إجراء فحص جسديّ عام للطفل.

– أخذ تاريخ العائلة المرضيّ.

– طلب إجراء فحوصات مخبرية في بعض الحالات؛ لاستثناء الإصابة بأمراض جسديّة أو ظهور الآثار الجانبيّة لبعض الأدوية، كأنْ يتم إجراء فحص للدم.

وعند تأكّد الطّبيب من أنّ ما يعانيه الطفل يتعلق بمشكلة نفسية لديه وليست مرض أو اضطراب جسدي، فإنّه غالبًا ما يقوم بتحويل الطّفل إلى طبيب أو معالج نفسيّ متخصّص في أمراض القلق عند الأطفال، ليحصل على تشخيص دقيق للحالة، إذْ يبدأ المعالج أو الطّبيب النّفسيّ بإجراء تقييم نفسيّ للطّفل على أكثر من مرحلة، ويأخذ بعين الاعتبار ملاحظات والديه ومخاوفهم وملاحظاته الشّخصيّة خلال جلسات التّقييم  ليصل إلى التّشخيص المناسب.

ما هي طرق علاج اضطراب قلق الانفصال؟

تختلف طرق العلاج وفعاليّتها من شخصّ للآخر، فقد يحتاجُ أحدهم لأكثرِ من علاج واحد، بينما يحتاج الآخر علاجًا مختلفًا تمامًا، ويعدّ الطبيب أو المعالج النّفسيّ الشخص المخوَّل بتقديم العلاج الأنسب للشّخص بناءً على حالته النّفسيّة.

إذْ يهدف العلاج إلى تقليل قلق الطّفل، وتمكينه من تحقيق شعوره بالطمأنينة والأمان، وتعليمه ضرورة الابتعاد عن أهله بالتّدريج وفي بيئة آمنة ليتعلّم مهارات الاعتماد على النّفس.

ومن طرق علاج هذا الاضطراب:

العلاج النّفسي

يعدّ العلاج النّفسيّ أحد أنجح أساليب علاج الاضطرابات النفسيَّة، خاصّةً في ما يتعلق باضطرابات القلق، كما أنّ تعديل وتقويم السّلوك والتّفكير يعتبر من الحلول طويلة المفعول لحالات القلق، وقد يتضمن العلاج النفسي اتباع واحدة أو أكثر من الأساليب المدروسة، مثل:

العلاج السّلوكيّ والمعرفيّ(Cognitive Behavioral Therapy) ، وهو العلاج الذي يهدف إلى تعليم المُصاب أساليبًا مختلفة للتّفكير والتّصرّف، وتقنيات تساعده على التأقلم مع المواقف الّتي تُشعِره بالتّوتّر والخوف، وتعتبر تقنيات التّنفّس والاسترخاء من التّقنيات المناسبة والفعّالة للأطفال.

– العلاج التّفاعليّ بين الطّفل ووالديه (Child-Parent Interaction Therapy)، وفيه قد يتعلّم الأهل كيفيّة التّواصل مع أطفالهم بشكلٍ سليم، وربما إعطائهم المساحة المناسبة لمواجهة مواقف حياتيّة مختلفة وتجاوز مخاوفهم، أو دفعهم إلى تشجيع أطفالهم ومديحهم عند تجاوز العقبات التي تواجههم، وتطوّرهم.

العلاج الدّوائي

كما ذكرنا سابقًا، فإنّ العلاج النفسي هو العلاج الأساسي لحالات اضطراب قلق الانفصال، ولكنْ في الحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاج النفسي، فإنّ الطبيب قد يلجأ إلى وصف أنواع معينة من الأدوية للسيطرة على الأعراض، وفي هذه الحالة،يختلف نوع العلاج الدوائي المستخدم ووقت بدء فعاليته وآثاره الجانبية من شخصٍ لآخر.

فأحيانًا يلجأ الطّبيب النّفسيّ إلى وصف مضادات القلق (Antianxiety Medications) أو مضادّات الإكتئاب (Antidepressants) للطفل الذي يعاني اضطراب قلق الانفصال، مع اهتمامه الشديد بمراقبة الطّفل أو المراهق ومتابعة حالته عن كثب، فتأثير الأدوية على الأطفال يختلف عن تأثيرها على البالغين.

نصائح للأهل إذا كان طفلهم يعاني اضطراب قلق الانفصال

نودّ إسداء بعض النّصائح للأهل لتمكينهم من مساعدة أطفالهم الذين يعانون من اضطراب قلق الانفصال أثناء تلقيهم العلاج:

– تأكد من أنّ البيئة المدرسيّة مناسبة للطفل وآمنة عند شعوره بالقلق؛ كأنْ يتمكن من التواصل مع والديه عند الضرورة، كما أنّه على المعلمين تشجيع التواصل بين التلاميذ والتفاعل مع بعضهم البعض.

– ثقف نفسك حول الاضطراب، لتتمكن من التعامل مع طفلك بشكل أفضل.

– تحدث مع طفلك عن مشاعره ومشاكله، ولا تطلب منه إخفاءها، ولكنْ حاول تذكيره بأنّ ابتعاده عنهم لم يضرّه في المرة الأخيرة.

– استعد وتوقع رد الفعل القلق من الطفل عند لحظة التغيير والانتقال من حالة لحالة، والتعامل معها بناءً على التوجيهات والاقتراحات التي يقدّمها الطبيب النفسي المشرف على حالة طفلك.

– شجع طفلك على الانخراط في الأنشطة المتنوعة، فهي من الطرق المُمتازة للتغلب على القلق وتكوين صداقات مع الآخرين.

– حاول ضبط أعصابك والحرص على الهدوء في لحظة ابتعاد طفلك عنك، فهو سريع التأثر بردود فعلك.

– كافيء طفلك وقدّم له التعزيز الإيجابي على مجهوده في ضبط نفسه عند ابتعاده عنك، كذهابه للسرير بدون غضب، أو إنْ كان أداؤه في المدرسة جيد ولا يسبّب المتاعب.

– حاول توفير نوع من الألفة لطفلك عند وجوده في بيئة جديدة، كأنْ تسمح له بإحضار دُميَته المفضّلة إلى الأماكن الجديدة التي يذهب إليها.

– احرص على حضور طفلك جلسات العلاج النفسي بانتظام.

– اهتم بنفسك حتى تتمكن من رعاية طفلك، لذلك تناول غذاء صحي ومتوازن، ومارس الرياضة بانتظام، وتمرّن على تقنيات الاسترخاء، واحصل على القدر الكافي من النوم والراحة، وعبر عمّا يدور في داخلك من مشاعر.

وبشكلٍ عام، إذا كان طفلك الصغير يواجه مشكلة قلق الانفصال الطبيعي، يُمكنكَ مساعدته بالآتي:

– حاول تعويد طفلك على مواجهة مواقف مختلفة، مع زيادة شعوره بالأمان، إذْ يمكن البدء بالابتعاد عنه مسافة ليست بعيدة ولفترة بسيطة للتّحقّق من ردّ فعله وتصرّفه حول انفصاله عن أهله، وزيادة المدّة والمسافة تدريجيًّا.

– استخدم روتينًا بسيطًا لتوديع طفلك عند اصطحابه للمدرسة أو منزل أحد الأقارب، كعناقه أو تقبيله قبل مغادرتك، وأخبره متى ستعود لاصطحابه إلى المنزل، ولا تماطل عند مغادرتك حتّى لا يتردّد طفلك في البقاء حيث تركته.

– حافظ على كلمتك ووُعودِك لطفلك، فمحافظتك على وعدك يعلّم طفلك الثّقة بك والاطمئنان لعودتك، وهو ما يزيد ثقته بنفسه.

– حاول عدم الخضوع لرغبات طفلك في كلّ مرّة، وأسْمِعْهُ كلمات تبعث على الاطمئنان.

وأخيرًا، في حال استمرّ القلق والخوف عند طفلك بمجرّد ابتعاده عنك ومغادرة المنزل حتى دخوله المدرسة، لا تتردّد في مراجعة الطبيب، فاضطراب قلق الانفصال يُمكن السيطرة عليه وعلى أعراضه باتباع الخطّة العلاجية المناسبة، ولا تقسو على طفلك أو على نفسك إذا مررت بهذه التجربة، فبقليلٍ من ضبط الأعصاب والصبر سيتخطى طفلك هذه المرحلة.  

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى  

المراجع:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top