الاكتئاب (Depression)

نتعرَّض في حياتنا للكثير من المواقف والعقبات التي ربما تولِّد لدينا شعورًا بالحزن وتعكّر المزاج، وهو أمرٌ طبيعيّ وجزء من ردود الفعل العاطفية تجاه التغيرات والأحداث اليومية، ولكنْ، عندما يكون شعور الحزن منتظمًا ومستمرًّا بشكل يؤثر على إنجاز الأنشطة الروتينية، ربما تعاني حينها من الاكتئاب، وهو ما سنتناول الحديث عنه في المقال. 

ماهو الاكتئاب؟

الاكتئاب (Depression)؛ هو أحد اضطرابات المزاج التي تظهر على صورة إحساس مزمن ومتواصل بالحزن والفراغ الداخلي والعجز، وصعوبة الشعور بالسعادة والمتعة، والذي قد يظهر دون سبب واضح، فيؤثر سلبًا على طريقة التفكير وكيفية التصرف والقدرة على العمل أو الدراسة أو التركيز، وبالتالي انخفاض الإنتاجية، ويُشار إلى أنّ الاكتئاب قد يُصيب الأفراد من مُختلف الأعمار؛ سواءً بالغين أو مراهقين أو أطفال، وهو من الاضطرابات الشائعة بين الأفراد.

ما هي أعراض الاكتئاب ؟

تختلف شدة أعراض الاكتئاب وتكرار حدوثها ومدّة استمرارها من شخصٍ لآخر، حيث أنه من الممكن أن يتعرض الشخص لنوبة اكتئاب واحدة فقد طيلة حياته، ومن الممكن كذلك أن يتعرض لعدة نوبات منه، وعمومًا، يمكن أن تضمّ أعراض الاكتئاب التي تستمر غالب اليوم وكل يوم تقريبًا:

– الشعور بالحزن يعبَّر عنه بالبكاء واليأس.

– تغيرات في الشهية؛ فقد تزداد مسببةً اكتساب الوزن، أو تقل فيُفقَد الوزن. 

– تغيرات في النوم؛ إمّا المعاناة من الأرق أو النوم لساعاتٍ طويلة.

– فقدان الاهتمام والاستمتاع بالأمور والأنشطة التي اعتاد الشخص على الاستمتاع بها و فقدان الشعور بالشغف تجاهها.

– جلد الذات والشعور بالذنب ولوم النفس.

– صعوبة في التركيز والتفكير واتخاذ ابسط القرارات، وتذكر الأشياء.

– الرغبة في الانتحار، والتفكير بإيذاء النفس.

– نوبات الغضب والاحباط والانفعال حتى عند حدوث امور لا تستدعي حجم ردة الفعل.

– بطء في التفكير أو الكلام أو في حركات الجسم.

– المعاناة من مشكلات جسدية، كالصداع، وآلام الظهر، والاضطرابات الهضمية.

– الشعور بالإعياء الجسدي وانخفاض الطاقة.

ولكيْ نُسمي ما يعانيه الشخص أعراض اكتئاب يجب أن يستمر عدد معين من أعراض الاكتئاب لمدة أسبوعين على الأقل، مع حدوث تغيير ملحوظ في أداء المهام اليومية، ولكن على الرغم من ذلك ننوه إلى أن المخوّل بتشخيص الاضطراب هو الطبيب المختص في الصحة النفسية حيث أنه سيقوم بعمل تقييم دقيق وشامل للحالة للتأكد من الأعراض التي يعاني منها المريض هي فعلًا أعراض الاكتئاب، كما ويجدر الذكر بأن بعض الأشخاص قد يظهر الاكتئاب عليهم بصور أخرى مختلفة عن التي تم ذكرها.

أعراض الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين

قد تظهر الأعراض كواحدة أو أكثر من الآتي:

– تغير السلوك، كالانخراط في مشاكل تتعلق بالمدرسة ورفض الذهاب للمدرسة، والابتعاد عن الأصدقاء، والتفكير بالانتحار وإيذاء النفس.

– اضطراب المزاج؛ كالمعاناة من العصبية، أو الهياج، أو سُرعة تغير المزاج، أو البكاء.

– الحساسيَّة الشديدة تجاه الآخرين والشعور بأنّ لا أحد يفهمه.

– تغير القدرات الإدراكية، وقد تظهر على صورة تراجع في المستوى الدراسي، أو صعوبة التركيز.

– مواجهة صعوبة في النوم، أو النوم بكثرة.

– الحزن الشديد، والشعور بعدم الكفاءة.

– فقدان الطاقة، أو المعاناة من مشكلات هضمية أو تغيرات في الشهية، أو خسارة الوزن أو اكتسابه. 

– اللجوء لتعاطي المخدرات.

أعراض الاكتئاب عند كبار السن

عادةً ما يتم تجاهل أو عدم الانتباه لأعراض الاكتئاب لدى هذه الفئة فيُترَك دون علاج، وهذه الأعراض قد تكون مختلفة أو أقل وضوحًا لديهم، ومنها:

– الألم الجسدي.

– الرغبة المستمرة في ملازمة المنزل وعدم الخروج.

– اضطراب الذاكرة، أو تغير الشخصية.

– التفكير بالانتحار.

– الإعياء الجسدي، وفقدان الشهية، ومشكلات النوم، وفقدان الرغبة الجنسية، مع عدم وجود مشكلة صحية أو أدوية معينة تُسبّب هذه الأعراض.

عليكَ مراجعة الطبيب أو الأخصائي النفسي في أسرع وقت ممكن في حال شعرت بأعراض الاكتئاب، أو بدأت تفكر بالانتحار أو إيذاء النفس، ويُمكنكَ الاستعانة بصديق أو أحد أفراد أسرتك أو أي متخصص في مجال الرعاية الصحية إذا كنت مترددًا في طلب العلاج  ليقدِّم لك الدعم ويساعدكَ على اتخاذ القرار السليم.

ما هي أنواع الاكتئاب؟

يوجد أنواع مختلفة من الاكتئاب التي قد تتطوّر لأسباب عديدة، ومن هذه الأنواع:

– اضطراب الاكتئاب الشديد (Major Depressive Disorder)، وهو ما يعرف اختصارًا بين الناس بالاكتئاب فقط.

– اضطراب اكتئابي مستمر (Persistent Depressive Disorder)، وهو اكتئاب يستمر لفترات طويلة (عامان أو أكثر)

– اضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder)، وهو اضطراب يسبب تقلبات مزاجية شديدة، تضمن نوبات الهوس و نوبات الاكتئاب.

– اضطراب عاطفي موسمي (Seasonal Affective Disorder)، وهو فترة من الاكتئاب الشديد التي تحدث في فصول معينة من العام، في الغالب فصول الشتاء والخريف.

– الاكتئاب الذهاني (Psychotic Depression)، وهو اكتئاب يصاحبه أعراض ذهانية كالهلاوس والأوهام.

– اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression)، وهو الاكتئاب الذي يحدث للأم خلال أاسبيع أو أشهر بعد ولادة طفلها. 

– الاكتئاب غیر النمطي (Atypical Depression)، وهو اكتئاب لا تكون أعراض الحزن فيه مستمرة، ولكنها قد تتحسن مؤقتًا مع الأحداث الإيجابية.

ماهي أسباب الاكتئاب ؟

أسباب حدوث الاكتئاب غير واضحة تمامًا من قبل الأطباء والعلماء، ولكنْ ثمّة عوامل معينة قد تلعب دورًا في حدوث الاكتئاب وتزيد من فرصته أو تحفزّه، والتي منها:

– العوامل الجينية؛ فالاكتئاب شائع بين أفراد العائلة الواحدة، ومازال الأطباء يبحثون عن الجينات المسؤولة عن حدوث الاكتئاب.

– تغير في مستويات النواقل العصبية في الدماغ التي تتحكم في الحالة المزاجية والأفكار والنوم والشهية والسلوك لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب.

– التغيرات الهرمونية، كالتي تحدث خلال فترة الحمل، أو الإصابة بمشكلات الغدة الدرقية، أو دخول سنّ اليأس.

– الاختلافات البيولوجية في الدماغ لدى البعض.

– الصدمات التي تحدث في المراحل المبكرة من الطفولة، والتي تؤثر على طريقة تفاعل الجسم مع التوتر والخوف.

– الإصابة ببعض المشكلات الصحية أو المزمنة؛ كأمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض باركنسون، والأرق، والسكري، والسرطان، والألم المزمن.

– التعرض لأحداث معينة، كمشاكل العمل، وتغير العلاقات، والمشكلات المالية والصحية.

– التعرّض لتوتر حادّ.

– استخدام بعض الأدوية؛ كالكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids)، ومثبطات البيتا (Beta blocker).

– تعاطي المخدرات أو الكحوليات.

– المعاناة من نوبة اكتئاب مسبقًا.

– فقدان الدعم الاجتماعي.

– التعرض لإصابة على الرأس.

– الجنس، فالاكتئاب شائع أكثر بين النساء. 

-سمات شخصية معينة كانعدام احترام الذات أو التشاؤم أو الاعتماد المفرط على الآخرين.

– وجود تاريخ سابق للإصابة بإحدى اضطرابات الصحة العقلية الأخرى، كاضطراب القلق، واضطرابات الأكل، واضطراب ما بعد الصدمة.

هل يمكن الوقاية من الاكتئاب؟

لا يُمكن دائمًا الوقاية من الاكتئاب، خاصةً بوجود العوامل التي تزيد من فرصة الإصابة به، ولكنْ قد تُساعد بعض الأمور في تقليل احتمالية حدوث الاكتئاب؛ كممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وممارسة اليوغا والتأمل، وتناول الغذاء الصحي، والنوم عدد ساعات كافي يوميًّا، والسيطرة على التوتر، وتعلّم المرونة وتعزيز تقدير الذات، والحصول على الدعم النفسي عند الحاجة من المقرّبين أو المختصّين.

ما هي مضاعفات الاكتئاب؟

الاكتئاب يعدّ من الاضطرابات التي يجب عدم التساهل في علاجها والتعامل معها لتجنب مضاعفاته الخطيرة، والتي نذكر منها:

– تعاطي الكحول والمخدرات.

– السمنة؛ مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض الضغط والسكري.

– القلق، أو اضطراب الهلع، أو الرهاب الاجتماعي.

– محاولة الانتحار أو تشويه أو إيذاء الذات.

– الانعزال الاجتماعي.

ما هو علاج الاكتئاب؟

يعتبر الاكتئاب من أكثر الاضطرابات النفسيَّة قابلية للعلاج، إذْ أنَّ نسبة كبيرة من المصابين بالاكتئاب يُظهرون استجابة جيدة للعلاج في نهاية المطاف، وعمومًا، عند مراجعة الطبيب من أجل العلاج، فإنّه يبدأ عادةً بإجراء تقييم تشخيصي شامل، بما في ذلك إجراء الفحص البدني ومعرفة الأعراض التي يعانيها الشخص، وأخذ التاريخ الطبي والعائلي، وربما يوصي بإجراء فحوصات واختبارات معينة للكشف عن وجود اضطرابات قد تكون السَّبب في ظهور أعراض الاكتئاب. 

وقد يتضمن علاج الاكتئاب ما يأتي:

أولًا، العلاج النفسي

الذي يقوم على جلسات حوارية مع الطبيب النفسي الذي قد يتبع إحدى الطرق العلاجية؛ كالعلاج السلوكي المعرفي، للمساعدة على تخفيف المشكلة، وتطوير مهارات للتأقلم معها، والمساعدة في التحكم في المشاعر والأفكار، وتختلف مدة العلاج النفسي بشكلٍ كبير من شخص لآخر.

ثانيًا، الدعم 

يشمل مناقشة الحلول العملية والأسباب مع أفراد أسرة المريض وجعلهم مساهمين في خطة العلاج.

ثالثًا، العلاج الدوائي

يصِف الطبيب في بعض الحالات مضادات الاكتئاب أو بعض الأدوية الأخرى التي تساعد على التحكم بالأعراض، ويُشار إلى أنّ استخدام مضادات الاكتئاب قد يُساعد على التحسن في غضون بضعة أسابيع، ولكنّ فعاليتها الكاملة تحتاج وقتًا أطول، وبكلّ الأحوال يجب مناقشة الطبيب حول فعالية الدواء والحاجة لتغييره في حالة وجود ما يُثير القلق، والتأكيد على ضرورة تجنب استخدام أيْ علاج أو تغيير الجرعة دون استشارة الطبيب أولًا، كما ويجدر التنويه بعدم إيقاف العلاج دون إخبار الطبيب وبشكل فجائي لما لذلك من آثار سلبية على صحة المريض النفسية والجسدية.

رابعًا، العلاج بتحفيز الدماغ (Brain Stimulation Therapy)

كالمعالجة بالتخليج الكهربائي أو الصدمات الكهربائية (Electroconvulsive Therapy)، أو تحفيز العصب المبهم (Vagus Nerve Stimulation)، أو غيره، فقد يساعد هذا العلاج في حالات الاكتئاب الشديدة أو حالات الاكتئاب المصحوبة بالذهان.

نصائح للمصابين بالاكتئاب

إذا كنتَ تعاني من الاكتئاب، قد يُساعدكَ إلى جانب العلاج اتباع ما يأتي:

– احرص على تناول الغذاء الصحي والابتعاد عن السكريات قدر الإمكان، والإكثار من تناول الفواكه والخضروات، والسمك، وزيت الزيتون.

– مارس التمارين الرياضية الهوائية (Aerobic Exercises) بانتظام إلى جانب الخطة العلاجية، ومن الجيد الالتزام بممارسة الرياضة مدّة لا تقل عن 30 دقيقة يوميًّا 3-5 أيام أسبوعيًّا.

 – لا تلجأ لشرب الكحول أو تعاطي المخدرات أو إساءة استخدام بعض الأدوية بهدف الشعور بالتحسن، فتأثير هذه المواد قصير، وتتسبّب في تفاقم أعراض الاكتئاب والقلق مع الوقت.

– احرص على تجنب الأشخاص السلبيين، وقم بممارسة الأنشطة الممتعة.

– احصل على القدر الكاف من النوم والراحة.

– التزم بالخطّة العلاجية دون تهاون.

– ثقف نفسك حول الاكتئاب وكل ما يتعلق به.

-لاحظ محفزات الاكتئاب لديك وضع خطة للتعامل معها وحاول تجنبها قدر الإمكان.

– ناقش الطبيب حول مخاوفك واطرح أيّة أسئلة تدور في ذهنك.

– لا تحمّل نفسك فوق طاقتها، وضع حدودًا بين حياتكَ الشخصية وعملك.

وختامًا، الاكتئاب منتشر في مجتمعاتنا بشكلٍ كبير، ويظهر بأشكالٍ مُختلفة، وهو ليس ضعفًا أو دلالًا بكل تأكيد، لذلك، إذا شعرتَ بالحزن وفقدان الأمل وتملّكتك هذه المشاعر بقوة وتكرّر حدوثها اطلب المساعدة الطبية، فلحسن الحظ يُمكن السيطرة على الاكتئاب وتخفيف أعراضه باتباع خطة علاجية متكاملة ومدروسة من المختص، ما عليكَ سوا الالتزام بالعلاج والرغبة في تحقيق نتائج إيجابية.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top