الحزن بعد المباريات والمسابقات

توفّر المسابقات والأنشطة الرياضية العديد من الفوائد النفسيّة والجسديّة للمشتركين بها بصرف النظر عن نتيجة المباراة أو المنافسة، ويُهيّئ اللاعب الرياضي نفسه للفوز أو الخسارة والتعامل مع النتيجة مهما كانت، فالفائز بالطبع سيشعر بنشوة الانتصار والسعادة الغامرة بعد تحقيقه الفوز، والخاسر غالبًا ما سيشعر بالحزن والإحباط، وهو أمر طبيعيّ ومحصّلة لا مفرّ منها في هذه المنافسات، ولكن ماذا لو تحول الأمر إلى حالة اكتئاب شديدة أو انهيار عاطفيّ؟ وما المقصود بمصطلح “كآبة ما بعد المنافسة”، وما هي دلالاته وأعراضه وآلية الشفاء منه؟ هذا ما سيتضح في محاور هذا المقال. 

ما المقصود بـ كآبة ما بعد المنافسة؟ 

“كآبة ما بعد المنافسة” (أو”كآبة ما بعد الماراثون” أو”اكتئاب ما بعد السباق”) (Post-Competition/Tournament Bluesهو مصطلح يشير إلى الانحدار العاطفيّ الذي قد يحدث بعد التعرّض لحدثٍ أو نشاطٍ رياضيّ، وتتميز هذه الكآبة بظهور خليط من مشاعر خيبة الأمل، والاستنزاف، والهياج، والتعب، والقلق العام، ووفقًا للمعالجة النفسية كورتني جلاشو، “يمكن أن يؤدي الاكتئاب بعد المنافسة أيضًا إلى نوبات البكاء، والشعور بالإرهاق، وتغيرات في الشهية، وعدم الاستمتاع بالأنشطة التي يتم الاستمتاع بها عادةً، وتغيرات في النوم”.

لماذا يعاني بعض الرياضيين من كآبة ما بعد المنافسة؟

يعدّ التدريب على السباق التزامًا كبيرًا يتطلب بذل الكثير من الطاقة والوقت والجهد، لذلك يمكن للرياضيين قضاء ساعاتٍ عِدّة أسبوعيًّا في الجري والانخراط في تدريبات القوة وغيرها من التمارين تحضيرًا للمنافسات، وبمجرد انتهاء المنافسات، غالبًا ما يتساءل المتسابقون “ما هي الخطوة التالية؟”، لذلك من المفيد أن يحتاج معظم المتسابقين إلى أخذ إجازة بعد السباق للتعافي، وفي الحقيقة، يعد الانتقال من اتباع جدول تدريب صارم إلى جدول مريح بهدف التعافي تحديًا بالنسبة لبعض الرياضيين. 

ما هي المشاعر والأعراض التي يعانيها المصاب بـ كآبة ما بعد المنافسة؟ 

قد يعاني المصاب بكآبة ما بعد المباريات والمنافسات من بعض المشاعر السلبيّة، منها:

الإحباط، فعندما يتدرب الرياضيّ لعدة شهور، قد يحرم نفسه من الطعام الذي يحبه، ويقلل بشكل كبير من انخراطه في الأنشطة الاجتماعيّة، كلّ ذلك لكونه لا يرى سوى الفوز، ولكن عند دخول المنافسة وحدوث الخسارة، فإنّه قد يعاني الإحباط. 

الشعور بحالة من الضياع بمجرد انتهاء نشوة المشهد، إذ يراودك شعور غريب بعد مضي أشهر من التركيز على هدف واحد، والتدريب المنتظم، وتناول الطعام الصحيّ، والتفكير بالتنافس. 

انخفاض الأداء. 

الشعور بالحزن أو الفراغ أو اليأس. 

فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كنت تستمتع بها في السابق.

مشكلات في النوم (إما الأرق أو النوم أكثر من اللازم). 

قلة الطاقة والتعب الشديد والتحدث أو التحرك ببطء، أو المعاناة من الهياج. 

الشعور بانعدام القيمة والذنب، وإلقاء اللوم على النفس. 

تغيرات في الشهية والوزن (إما فقدان الشهية وفقدان الوزن، أو زيادة الشهية والرغبة الشديدة في الأكل، والتي يترتّب عليها زيادة الوزن). 

الشعور بالقلق أو الانفعال

صعوبة في التركيز واتخاذ القرارات والتفكير بشكل عام. 

– وجود مشكلة في الذاكرة

الشعور بأعراض جسديّة يصعب تفسيرها، مثل الأوجاع والآلام. 

التفكير في الموت، وتولّد أفكار حول الانتحار. 

وبعد المنافسة، ستلاحظ أنّك قد تنازلت عن بعض التفاصيل التي اتبعتها أثناء التدريب، كالعودة للنظام الغذائي المعتاد غير الصارم، واستعادة بعض الوزن الذي فقدته خلال استعدادك للمنافسة، فلا يوصى بالاستمرار على النظام الصارم ذاته على المدى الطويل لتجنّب الشعور بالإرهاق والتعب والإضرار بصحة الجسم.

ما هي المشاكل الأخرى التي تصيب الرياضيين بعد المنافسات؟ 

لا يعدّ الاكتئاب وحده السبب الوحيد لإثارة القلق حول الصحة النفسية لدى الرياضيين من جميع الأعمار، إذ وجدت دراسة حديثة أن حوالي 35% من نخبة الرياضيين قد يعانون من مشكلات نفسيّة، وبصرف النظر عن الاكتئاب، ثمّة مشكلات أخرى قد يتعامل معها الرياضيون، مثل:

– اضطرابات القلق.

– اضطراب نقص الانتباه/فرط النشاط (ADHD).

– الاضطراب ثنائي القطب.

– اضطرابات الأكل.

– اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

– اضطراب تعاطي المخدرات. 

ما العلاقة بين الرياضيين والاكتئاب؟

الصحة العقلية والنفسيّة للرياضيين وتحقيق رفاهيتهم لا تقل أهمية عن صحتهم البدنية، خاصةً مع وجود العديد من الأسباب التي تجعل الرياضيين عُرضة للإصابة بالاكتئاب.

وفيما يلي بعض العوامل التي قد تسهم في زيادة احتماليّة الإصابة بـ كآبة ما بعد المنافسة:

– الضغط المبالغ فيه بالتمارين والاستعدادات قبل المنافسة. 

– الدخول في مقارنة مستمرة، سواءً مقارنة أنفسهم بالرياضيين الآخرين، أو مقارنتهم بالآخرين من قِبل المدربين، وقد يسفر ذلك عن عدم الشعور بالكفاءة وتراجع احترام الذات في حالة عدم الرقيّ للمستوى المتوقَّع منه.

– مطالبة الرياضيين بأمور صعبة، مثل اتباع الأنظمة الغذائية القاسية، والاستيقاظ مبكرًا وغيرها. 

من هم الأكثر عرضة للإصابة بكآبة ما بعد المنافسات؟ 

ثمّة مجموعة من الفئات التي قد تكون غالبًا أكثر عُرضة للإصابة بكآبة ما بعد المنافسات:

– النساء. 

– الأشخاص ذوي البشرة الملوّنة من غير البيض. 

– الأشخاص الذين تواجه أسرهم صعوبات مالية. 

كيف يتم التغلب على كآبة ما بعد المنافسة؟ 

يمكنك تدريب عقلك واستخدام بعض الاستراتيجيات للمساعدة على تجنب الاكتئاب بعد المنافسة والتغلب عليه، ومن هذه الاستراتيجيّات:

– اكتشف السبب وراء تلك المشاعر. 

– احتفظ بسجل تدريب خاصّ بك، إذا كنت قد تعرضت لنوبة من اكتئاب ما بعد المنافسة من قبل وترغب في تجنب ذلك لاحقًا، عليك بأن تحتفظ بسجل تدريب مفصّل، فهذا قد يساعدك على تقدير كل فوز صغير تحقّقه قبل حلول موعد اليوم الكبير “يوم المنافسة”، كما أنّه يتيح لك الفرصة للتركيز على الأجزاء الدقيقة من الرحلة بدلاً من التركيز على الجزء الكلي منها فقط، كذلك فإن التأكيد على كل هذه الانتصارات الصغيرة التي حقّقتها قد يساعدك على تخفيف بعض التوتر والحزن المرتبط بالحدث الرئيسي، ويجعل من السهل التفكير في العمل الشاق الذي قمت به. 

– اعتمد على شبكة الدعم الخاص بك، ولا تخجل من طلب الطمأنينة والدعم من الآخرين الذين تثق بهم. 

– ضع شيئًا آخر أو هدفًا آخر على التقويم في نهاية سباق أو منافسة كبيرة، فهذا يمنعك من الشعور بالتعثّر والضياع وانعدام التوجّه لشيء معيّن بعد الإنجاز التاريخي الأول.

– ابحث عن المتعة في الأنشطة الجسديّة الأخرى، فلا يجب أن يقتصر الإحساس بالتحدي الجسدي على أيام المباريات الكبيرة فحسب، فثمّة أنواع عديدة من التمارين التي يمكن أن تجلب إحساسًا مماثلًا بالبهجة والتحدّي. 

– استعن بشخصٍ مختص، فإذا كنت تعاني بعد المرور بتجربة رياضية ضخمة، اعلم بوجود خبراء متخصصين في مساعدة الرياضيين على تجاوز فترات الحزن وأزمات الهوية التي تتبع التنافس، فالمستشار المناسب سيساعدك على إعادة صياغة ما تشعر به، والتوصل إلى وضع خطة يمكن خلالها التحرّك بهدوء، والوصول إلى الجانب الآخر. 

ما هو علاج الاكتئاب عند الرياضيين؟

سواءً كنت شخصًا رياضيًا أم لا، فإن علاج الاكتئاب بعد المنافسة مماثل لعلاج الاكتئاب الذي يظهر  في حالات الأخرى، ومن أهم طرق العلاج المتّبعة في علاج الاكتئاب عند الرياضيين: 

– العلاج السلوكي المعرفي CBT)): العلاج السلوكي المعرفيّ هو نوع من العلاج بالكلام الذي غالبًا ما يكون الخط الأول لعلاج العديد من مشكلات الصحة النفسية، بما في ذلك الاكتئاب، وينطوي هذا النوع من العلاج على تعزيز وعي المصاب بالاكتئاب بشأن أفكاره ومشاعره، مما يسمح له بإعادة صياغة معتقداته السلبيّة، ومعالجة أي سلوكيات غير صحية وغير مفيدة تؤدي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب، كما أنّه يدعم تعلم مهارات واستراتيجيّات جديدة وقيمة للتكيف والتعامل مع الاكتئاب والمشاعر الصعبة الأخرى.

العلاج السلوكي الجدلي (DBT): هو شكل من أشكال العلاج النفسي الذي يساعد الأشخاص على فهم وتنظيم عواطفهم، فهو يسهم في تعلم كيفية القبول والتغيير، من خلال قبول نفسك والتحديات الحالية التي تواجهك، مع فهم أيضًا أنه من الممكن إجراء تغييرات إيجابية وصحية في حياتك.

العلاج بالأدوية: في بعض الحالات تستدعي بعض حالات الاكتئاب لدى الرياضيين اللجوء للعلاج بالأدوية المضادّة للاكتئاب، ويحدّد الطبيب المختصّ مقدار الحاجة لمباشرة العلاج بمضادات الاكتئاب، ويشار إلى أنّ بدء فعاليّة العلاج بهذه الأدوية يستدعي انتظار بعض الوقت إلى حين بدء نتائجها.

ما هي النصائح التي تساعد في تجنب كآبة ما بعد المنافسة؟

حتى تتجنّب اكتئاب ما بعد المنافسة، ثمّة مجموعة من النصائح التي يوصى باتباعها:

– اعترف بالأمر، فالاعتراف بأنه سيحدث في النهاية سيجعلك مستعدًا للخطوات التالية، كما يمنحك القدرة على تمييز العلامات والعواطف التي قد تمر بها في فترة الاكتئاب، وفي هذه المرحلة لا بأس من أخذ إجازة من التدريب وإعادة التقييم وإتاحة الوقت للشفاء والتعافي النفسي.

– راجع مدرّب مختصّ أو انضم لجموعات الدعم إذا وجدت نفسك ضائعًا وبحاجة إلى إرشادات توجيه بشأن لياقتك البدنية أو أدائك. 

اختر هدفًا جديدًا، سواء كان هدفًا رياضيًا أو هدفًا في حياتك، أي ابحث عن شيء يلهمك لتستمرّ في مواصلة العمل والإبداع، وتذكّر بأن عليك إنجاز وتحقيق الأهداف التي وضعتها، ثم يمكنك الانتقال إلى الشيء التالي.

حاول الاستمتاع، فالاستمتاع هو الذي يمكّنك من أن تتعلم المهارات المتعلقة بكيفيّة تحقيق أهدافك، وتقبُّل العثرات التي تواجهها في طريق تحقيق هدفك.

كن مدربًا أو مرشدًا، إذ يتعلم العديد من الرياضيين مهارات قيمة على مدار سنوات التدريب ممّا يمكنهم من استخدامها لمساعدة جيل جديد من الرياضيين، حاول أن تعدّ برنامجًا للمجتمع يمكنه الاستفادة من معرفتك.

تذكّر بأنّ الأهداف لا تحدد هويتك، وإنّما أنت من يحدّد ذاتك، فالنجاح أمر شخصيّ، وما عليك سوى التركيز على تطوير ذاتك أثناء تحقيق أهدافك، وهذا هو الهدف الأكبر الذي ستعمل على تحقيقه، لذا، استمر في المضي قُدمًا. 

لا تستسلم لمشاعر الحزن بعد انتهاء المنافسة، حاول أن تتذكّر مقدار الجهد الذي بذلته في التدريب والتحضير للمباراة ومواجهة الخصم، وتذكر بأنّ حلمك لا يتوقف عند نقطة معيّنة، فالأهداف والأحلام لا حدود لها، وإذا شعرت بأنّك غارق في حزنك ويصعب عليك التعامل مع ما تواجهه، يمكنك مراجع المعالج النفسي المختصّ الذي سيساعدك على تخطّي ما تمرّ به، والمضيّ في حياتك والعمل على تحقيق إنجازاتك.

** تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق المحتوى. 

المراجع:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top