متلازمة ستندال  Stendhal syndrome

أشارت عناوينُ الصُحفِ الدوليَّة قبلَ بِضعِ سنوات إلى أنَّ نوبةً قلبيّة قَد أصابَت رجلًا بينما كانَ يُبدي إعجابَهُ الشديدَ بلوحةِ ولادَةِ "فينوس"(The Birth of Venus) للفنان ساندرو بوتيتشيلي، الموجودةُ في معرِضِ أوفيزي في إيطاليا، وَرُغْمَ اعتقادِ البعضِ بأنَّ ما حدَث للرَجلِ كانَ مَحضَ مُصادفَةٍ، ولا شيءَ يدعو للاهتمامِ بشأنِه، فإنَّ تصدَّرَ الخبَر العناوينَ الرئيسيّةَ في الصُحُفِ الدوليّة ليسَ لكونِه حدثًا عشوائيًّا، وإنّما لفكرةِ أنّ الجمال المُبهر للعملِ الفنيّ قَد تسبَّبَ بحدوثِ نوبَةٍ قلبيّة، فهل من المُمكن حُدوثُ ذلك؟ في محاورِ هذا المقال إجابةٌ عن جميعِ التساؤلاتِ المتعلّقةِ بهذهِ الظاهرةِ التي قد تبدو غريبةً بالنسبةِ للكثيرين.

 

ما هي متلازمة ستندال؟

"متلازمة ستندال" (Stendhal syndrome) أو "متلازمة فلورنسا" (Florence syndrome): تُصنَّفُ على أنها واحدِةٌ من الاضطراباتِ النفسيّة الجسميّة التي قد تظهرُ على صورةِ مجموعةٍ من الأعراضِ العقليّة والجسديّة التي يعانيها الشخصُ أثناءَ أو بعدَ مشاهدَتِه عملًا فنيًّا يراهُ جميلًا وخلّابًا، وغالبًا ما يكونُ العملُ الفنّيُّ ضِمنَ مجموعةٍ متواجدةٍ في مكانٍ واحد، كأن تكونَ في معرضٍ فنّي على سبيلِ المثال. 

وقد سُميَّت "متلازمة ستندال" بهذا الاسم نسبةً إلى الكاتب الفرنسي: ماري هنري بيل الذي عُرِفَ باسمهِ المُستعار (ستندال)، وذلك خلال القرنِ التاسِعَ عشر، فقد وصفَ بالتفصيل تجارُبَهُ السلبيّة في كتابِه (Naples and Florence: A Journey from Milan to Reggio)، لعرضِ الفن الفلورنسي لعصرِ النهضةِ الإيطالي، (لذلك سُميت أيضًا "متلازمة فلورنسا")، فقد أصابَ ستندال انفعال شديد أثناءَ مشاهدتِه اللوحاتِ الجداريّة الشهيرة لأولِ مرَّةٍ في كاتدرائية سانتا كروس، لِما رآهُ من جمالٍ ورقيٍّ فنّي، وإعجابِهِ الكبير بالمكان، وقد وصِفَ ستندال أنّه عانى في تلك اللحظةِ من تسارُعِ نبضاتِ القلب، وشَعرَ بأنَّهُ سيلقى حتفَه، وكانَ خائفًا من السقوطِ أيضًا، عدا عن الأعراضِ النفسيّة التي تملَّكتُه.

ومنذ ذلك الحين، لُوحِظَ تكرارُ العديدِ من الحالاتِ التي عانت الأعراضَ ذاتِها، خاصةً في معرضِ أوفيزي الشهير في فلورنسا، وعُرِفَت حينها باسم "متلازمة السُّياح"، ولكن أطلقت الطبيبة الإيطالية غرازيلا ماغريني المختصّة بالطبِ النفسي على هذه المتلازمة اسم "متلازمة ستندال" في عام 1979 ميلادي، وأصبح هذا الاسم متداولًا حتى وقتِنا الحاليّ. 

 

ما هي أعراضُ متلازمة ستندال؟

أثناءَ ملاحظةِ وبحثِ الطبيبةِ غرازيلا ماغريني للحالات التي تُعاني "متلازمة ستندال"، توصلت إلى اختلافِ الأعراضِ التي تظهرُ على الأشخاصِ من حالةٍ لأخرى، بدءًا من ظهورِ علاماتِ حدوثِ نوبةِ ذُعرٍ مؤقتة وقلقٍ شديد، إلى ظهورِ نوباتِ ذُهان تستمِرُّ بينَ (2-3 أيام).

وقد وثّقت الطبيبةُ حوالي"106" حالة مشابِهة لحالةِ ستندال بين عام (1977- 1986) الميلادي، في كتابها الذي أصدرتهُ عامَ 1989، وأعربَت عن اعتقادِها بأنَّ الاضطراباتِ النفسيَّة التي تظهرُ على المصابِ كانت مرتبطَةً بوجودِ اضطرابٍ نفسيٍّ كامِن يظهرُ كردِّ فعلٍ عندَ مشاهدَةِ لوحاتٍ فنيّة تُثيرُ الإعجابَ والدهشة.

وصنفَتْ الطبيبة الحالات إلى ثلاثةِ أنواع:

  1. النوعُ الأول: مرضى يعانون بشكلٍ أكبرَ من أعراضٍ ذُهانيّة، كالذُّهان الزَّوَرانِيّ (Paranoid psychoses).
  2. النوعُ الثاني: مرضى لديهم الأعراضُ العاطفيّة هيَّ الأوضح.
  3. النوعُ الثالث: مرضى تظهرُ عليهم بشكلٍ واضح أعراضٌ جسديّة للقلق، مثل ظهورِ نوبةِ الذُعر، وهي عبارة عن تأثيرٍ نفسيٍ للعملِ الفني.

 

وبشكلٍ عام، منَ الأعراضِ التي قد تظهرُ على الشخصِ عندَ مشاهدَتِه عملًا فنيًا مُذهلًا:

  • ألمٌ في الصدر.
  • الإغماء.
  • الهلاوس.
  • تسارُع نبضاتِ القلب.
  • الدوخة.
  • القلق.
  • التعرّق.
  • الارتباك.
  • ضيقُ التنفس.
  • فقدانُ الوعي.
  • جنونُ الارتياب أو البارانويا (Paranoia).
  • الغثيان.

 

أسباب وعوامل خطورة الإصابة "بمتلازمة ستندال":

بناءً على عددٍ من الدراسات التي أُجريت خلال عِدةِ سنوات، تظهرُ أعراضُ "متلازمة ستندال" في الحالاتِ الآتية:

  • مُشاهدة شيء شديدُ الجمال: مثل: الفنون المرئيّة، والفنون المعماريّة، وهي الأسبابُ الأكثرُ شيوعًا وفْقَ الدراسات، كذلك الأمرُ مع المنظرِ الخلابِ للجبال، ورؤيةِ شروقِ الشمسِ الجميل.
  • رؤيةُ الفنِّ الجميل والتواجُدِ في موقعٍ مرتبِط بالتاريخِ أو الثقافة: فهذا قد يثيرُ أعراضَ "متلازمة ستندال"، كذلك التفكيرُ في الأحداثِ المهمّةِ التي وقعت في الماضي.

 

لاحظَ الباحثونَ عدمَ وضوحِ العلاقةِ بين وجودِ مشكلةٍ كامنة وظهورِ أعراضِ "متلازمة ستندال"، ومع ذلك، ثمَّةَ عوامِلٌ قد تزيدُ من احتماليةِ حدوثِ "متلازِمة ستندال" بناءً على بعضِ الدراسات:

  • وجودُ عواملٍ متعلّقة بالسفر، مثل الجوع، وقِلّة النوم، والتوتر، والجفاف، واضطراب الرحلات الجوية الطويلة (Jet lag)، والتعرّضُ لأشعّةِ الشمس.
  • نمطِ الحياة، مثل التديّنِ الشديد، والعيشُ بدونِ شريك.
  • التمتُّعِ بشخصيّةٍ تمتازُ بحساسيّتها، إلى جانِبِ السفرِ والشعورِ بالتوتُر.
  • وجودُ مخاطِر الإصابةِ بمشكلةٍ نفسيّة أو عقليّة.
  • عواملٌ أخرى، مثل الوصولِ إلى نهايةِ رحلةِ السفر.

 

هل "متلازمة ستندال" اضطرابٌ حقيقيّ؟

لم تندرِج "متلازمة ستندال" في النسخةِ الحاليّة من الدليلِ التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، (الإصدار الخامس) (DSM-5) على أنها حالة أو ظاهرة تتعلّقُ بالصحةِ النفسيّة، خاصّةً وأنّ المُراجعاتِ الأخيرة للأبحاثِ حولَ هذا الموضوع لم تصِل إلى دليلٍ قطعي يُثبتُ وجودَ هذا الاضطرابِ بالفِعل، وذلكَ على الرغمِ من اعتقادِ الطبيبةِ موغيريني، بأنّها ظاهرةٌ نفسيّة حقيقيّة، وظهورُ العديدِ من الحالاتِ المختلفة منذُ سنواتٍ سابقة وحتى وقتٍ قريب تعاني من أعراضِ "متلازمة ستندال".

 

ظواهرٌ تتعلق "بمتلازمة ستندال":

تظهرُ أعراضُ "متلازمة ستندال" بشكلٍ خاصّ لدى السيّاح عند زيارتهم فلورنسا، ومع ذلك، لاحظَ الباحثون بأنَّ أعراضًا مشابهة ظهرت لدى السياح عند زيارتِهم مدينةَ القدسِ أو باريس، فقد أُطلِقَ مسمّى "متلازمة باريس" (Paris syndrome) على أعراضِ البارانويا والأوهامِ التي ظهرت بسببِ خيبةِ الأمل لدى السُّيّاح لحظةَ إدراكِهم بأنَّ باريس لم تكن المدينة المثاليّة والمميّزة كما رُسِم في مخيلتهم، كما أُطلق اسم "متلازمة القدس" (Jerusalem Syndrome) على المتلازمةِ الشبيهةِ "بمتلازمة ستندال"، والتي تظهرُ أعراضُها بسببِ زيادةِ الحماسِ الديني لدى السُيَّاحِ عند زيارتِهم الأماكنَ المقدّسة الموجودةِ في القدسِ ومحيطها، ومن أنواعِ "متلازمة القدس":

  • متلازمة تظهرُ لدى الأفراد الذين يعانون من اضطرابِ شخصيّة بالأساس، أو من لديهم أفكارٌ متسلِطة.
  • متلازمة تظهرُ لدى الأفرادِ الذينَ يعانونَ من إحدى أشكالِ الذُهانِ قبلَ السفرِ إلى القُدس.
  • متلازمة تظهرُ لدى السيّاحِ الذينَ لم يسبق تشخيصُ إصابتهم بمرضٍ نفسي(عقلي) قبل السفرِ إلى القدس.

 

ومثلُ "متلازمة ستندال"، لم تُدرج "متلازمة القدس" أو "متلازمة باريس" في النسخةِ الحاليّة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس (DSM-5)، ولكنّها محطُّ اهتمامِ الباحثينَ والمختصينَ في المجال.

كيف يكونُ علاجُ "متلازمة ستندال"؟

لا تستدعي أعراضُ "متلازمة ستندال" العلاجَ الطبيّ، فعادةً ما تكونُ مؤقتة وتزولُ من تلقاءِ نفسِها، ومع ذلك، قد يفيدُ في حالةِ الإصابةِ بأعراضِ هذهِ المتلازمة اتباعُ ما يأتي:

  • أخذُ وقتٍ للاستراحة والابتعادُ عن المكانِ بمجرَّدِ الشعورِ بالإرهاقِ مِنْ مواجهةِ العملِ الفنّي.
  • تطبيقُ طُرُقِ الاسترخاء، مثلَ التأمُل، والتنفُس العميق، وذلك في الحالاتِ التي لا تُظهِر تحسّنًا لوحدِها عندَ الابتعادِ عن المحفِّز.
  • اللجوءُ للرعايةِ الطبيّة في حالةِ تعرّضِ الشخصِ للإغماء أو الارتباك، وذلك لمنعِ حدوثِ الإصاباتِ وعلاجِها.
  • التحدثُ مع الطبيبِ للتأكدِ من الإصابةِ "بمتلازمة ستندال"، والمساعدةِ على تشخيصِ أيِّ مشكلاتٍ أخرى، مثلَ: اضطراباتِ القلقِ مثلًا.

 

لا يوجد علاجٌ محدّد "لمتلازمة ستندال"، ولكن يمكنُ مناقشة الطبيبِ حولَ طُرُقِ العلاجِ المتاحةِ في حال ظهرت الأعراضُ بصورةٍ متكرّرة، ومِنَ الخياراتِ العلاجيّة التي قد يُوصي بها الطبيبُ في هذهِ الحالة: اتباعُ طرقِ العلاجِ المعرفي السلوكي (Cognitive behavioral therapy)، واستخدامُ أنواعٍ معيّنةٍ من الأدوية تحت إشراف الطبيب إذا دعت الحاجة لذلك، مثلَ: مضاداتِ الاكتئاب.

 تعدُّ "متلازمة ستندال" من المشكلاتِ نادرةِ الحدُوث، ولكنَّ احتمالية تكرارِها تكونُ واردةً في حالةِ اختبارِ أعراضِها في وقتٍ سابق، خاصةً عندَ مشاهدةِ عملٍ فنّيٍ إبداعي، وقد تكونُ سببًا في التعرّضِ للإصابات، ولذلك في هذهِ الحالة من الأفضلِ اصطحابُ الأصدقاءِ عندَ زيارةِ الأماكن التي تعرِضُ أعمالًا فنيّة لتلقّي المساعدةِ عندَ اللزُومِ، كذلك يجبُ الحصولُ على قسطٍ كافٍ من الراحةِ قبلَ التوجُه إلى مثلِ هذهِ الأماكِن، وقبلَ كلّ شيء، يجبُ التحدُثِ مع الطبيبِ حولَ كيفيّةِ السيطرةِ على الأعراضِ في حال تكرّر ظُهورِها باستمرار، أو إذا ارتبطت بمشاهدةِ أيَّ عملٍ فنيٍ إبداعي وجميل، وذلك للوقوفِ على المشكلةِ وأسبابِها، وإيجادُ أفضلِ الحلولِ لها. 

 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى.  

 

المراجع:

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top