اللاكتريا السريريةClinical Lycanthropy

تناولَت العديدُ من أفلامِ ومسلسلاتِ الرُعب على مدارِ السنواتِ السابِقة قصَصٌ تدورُ حولَ المستذئِبين، وكيفَ أنَّ لدى بعضِ الأشخاص القدرَةِ على التحوُّل إلى ذِئاب، فيتَمتَعونَ بخصائِص وقُدُرات الذِئب وشكلِه، ونحنُ على يقين بأنَّ ما تعرِضُهُ الشاشات ما هو إلّا محضُ خيالٍ علميّ خصب، يرسُمُه المؤلِّف ويعرِضُه لنا المُخرِج من أجلِ مُتعةِ المشاهَدة، ولكن، ماذا لو كانت هذهِ الفِكرة موجودةٌ في واقِعِنا بشكلٍ أو بآخر؟ وما هي حقيقةُ اللاكتريا السريرية؟ في هذا المقال توضيحُ تفاصيل أكثر حولَ هذهِ المتلازِمة، وأمور أخرى متعلِّقة بها.

اللاكتريا وخُرافاتُ المستذئِبين:

تُعبِّر اللاكتريا عن اضطِراب عقلي يظهرُ على صورةِ اعتقاد لدى المُصاب بأنَّهُ ذِئب أو حيوان آخر، وقَد ظهرَت هذهِ الأوهام أكثر لدى الأشخاص الذينَ يؤمنونَ بما يُعرف بتناسُخ الأرواح (Reincarnation) و مهاجرةِ الأرواح (Transmigration)، وفي الحقيقةِ، شاعَ الحديثُ عن اللاكتريا منذُ القِدم، وتناولت قصَصُه الخُرافات على نطاقٍ واسِع باعتبارِها حالةٌ خارِقة للطبيعة، يتحوَّلُ فيها الرِجال إلى ذِئاب ضاريَّة أو حيوانات أخرى، عادةً ما تكونُ من الحيواناتِ الأخطَر في المنطِقة (دُب، ذِئب، نمِر، ضَبع). 

وتجدُر الإشارةُ إلى أنَّ الخُرافة والاضطِراب النفسيِّ قد يرتبطانِ بالاعتِقاد الثابِت والراسِخ بوجودِ المستذئِبين، ومصاصِّي الدِماء، والقِصَص التي تتداولُها العديدُ من الشعوبِ حولَ أساطيرِ اللاكتريا، فقَد انتشرَت قِصَص المستذئِبين في أجزاءٍ من اليونان القديمة، وفي أركاديا، كذلك عرَف الرُومان هذهِ الخُرافة، ويُقال أنَّ قُطَّاع الطُرق والمجرِمين قد تفاعلُوا معها وقاموا بوضعِ جُلودِ الذِئاب فوقَ دروعِهم، وفي ذلك الوقت، كان الناسُ أكثرَ عُرضَةً لتوهُّم تحوُّلِهم إلى ذِئاب، ونادرًا ما تُعرَّف حالتُهم بكونِها اضطرابٌ نفسي، ورغمَ عدمِ انتشارِ الخُرافات في وقتِنا الحاليّ كما السابِق، نجدُ أنَّ بعضَ المناطِق المعزولة والبدائيّة لازالت تؤمِنُ بأنَّ البشر يمكُنُهم التحوُّل إلى ذِئاب.   

ما هي اللاكتريا السريرية؟

تعرفُ اللاكتريا السريريّة (Clinical Lycanthropy) أو توهُّم الذئبيّة (Lycomania) على أنّها متلازِمة نفسيَّة نادِرة تظهرُ على صورةِ اعتقاد وهمي يتولَّد لدى المريض بأنّهُ تحوَّل إلى ذِئب، أو أنَّ لديه القدرة على التحوّل إلى ذئب، أو أنّه حيوان غيرَ بشري، وتُعَدُّ اللاكتريا السريريَّة من المتلازِمات الصعبَّة والمُعَقّدة التي تتأثّرُ بالاضطرابات النفسيّة والعصبيّة، كذلك الحالة الاجتماعيّة والثقافيّة والبيئيّة، والمشكِلات الجسديَّة، والتي يمكِنُ علاجُها رغمَ عدمِ وجودِ معيارٍ محدَّد للعلاج، كما هو الحال مع بعضِ الأمراضِ والمشكلاتِ الأخرى.

ولعدمِ وجودِ العديدِ من الحالاتِ التي تعاني هذه المتلازِمة، لا تتوفّرُ دراساتٌ كافية تتناولُ موضوعَ اللاكتريا السريريّة، ومع ذلك، وُثِقت جيدًا على مرِّ القرُون السابِقة، حتى ولو كانَ التوثيقُ مقتصِرًا على الوصف وعدمِ التوضيح والخوضِ في التفاصيل. 

ما هي أعراضُ اللاكتريا السريرية؟

تتمثَّلُ أهمُّ الأعراض التي قد تظهرُ على المُصاب بظهورِ وهمٍ بشأنِ تحوُّلِه إلى حيوان، أو أنَّهُ قد تحوّل بالفِعل إلى حيوان، ويحدُث هذا التحوُّل فقط في ذهنِ الشخص، ويظهرُ على تصرفاتِه، وهذا قد يترتّبُ عليه:

– ادّعاءُ رؤيةِ تغيراتٍ في الجسم عند النظرِ إلى المرآة، مثل نموّ الشعر، وزيادةِ طول الأنياب أو الأسنان، ونموِّ المخالِب.

– الرغبَةُ الشديدة في تناوُل اللحومِ النيِّئة، أو القيامِ بتناولِها بالفِعل.

– إصدارُ صوت الهدر (Growling)، أو العِواء (Howling)، أو غيرِها من أصواتِ الحيوانات الأخرى. 

– المشيُّ على أربع.

– العيشُ في الخارِج وتبنِّي نمطِ حياةِ الذِئاب، وتناول طعامِهِم أيضًا.

يؤكِدُ بعضُ الأشخاص على تحوُّلِهم إلى ذِئاب، وهي أكثرُ الأوهام المصاحِبة للإصابةِ باللاكتريا السريريّة شيوعًا، ولكنَّ البعض يدّعونَ تحوّلَهُم إلى حيوانات أخرى قبلَ إدراكِ أنَّهُم بالفِعل بشر، مثل الطير، والنمر، والقِط، والحِصان، والضَبع، كما أنَّ بعضَ المصابينَ باللاكتريا السريريّة يعتقدونَ أنّ الأشخاص حولَهُم قد تحولوا أيضًا إلى حيواناتٍ أو كائناتٍ أخرى.

ما هي أسبابُ اللاكتريا السريرية؟

يعتقدُ بعضُ الخبراء والباحثين المختصين بأنّ اللاكتريا السريريّة متلازِمة مرتبطةٌ بالثقافة، أي أنّ السلوكيات غير الطبيعيّة التي تصدُر عن المُصاب متأثِّرةٌ بالأعرافِ الثقافيّة أو البيئة المحيطة، بينما يفسِّرُ بعضُ الخُبراء حدوثَ هذهِ المتلازِمة بوجودِ ما يُعرف بمتلازِمة سوءِ التعرُفِ الوهمي (Delusional misidentification syndrome or DMS)، التي تعبِّر عن مجموعةِ اضطرابات تَوَهُّم تظهرُ على صورةِ اعتقادٍ خاطىء بأنَّ شيء أو شخص أو مكان تحوَّل وتغيَّر بطريقةٍ أو بأخرى، أو يعاني فيها المُصاب من عدمِ القدرَةِ على التعرُّف إلى الأشياءِ المألوفة، وأهمُّ ما قد يسبِّبُ هذهِ الحالة: حدوثُ تغيراتٍ في أجزاءٍ من الدماغ، أو التعرُّض لصدمةِ إصاباتِ الدماغ الرضيَّة (Traumatic brain injury)، أو الإصابةِ بالأمراضِ الدماغيّة الوعائيّة (Cerebrovascular disease)، أو ظهورِ أعراضِ الانسحاب بعد وقفِ استخدامِ دواءٍ معيّن، أو التعرُّض للتسمُّم ببعضِ الأدوية، أو التعرُّض لنوبَةِ الصّرَع، أو الخَرَف، أو الهذَيان (Delirium)، أو غيرِها من الأسباب.

عوامل تزيدُ خطورةَ الإصابةِ باللاكتريا السريرية:

وجدَ الباحثون أنَّ اللاكتريا السريريّة تؤثِرُ في الأفراد على اختلافِ أماكِن تواجدِهِم في العالم، وأنَّها غالبًا ما تؤثِر في الأشخاص الذينَ يعانونَ من الذُهان المُزمِن، أو في الأشخاصِ الذين تصيبُهم أولُ نوباتِ الذُهان في سنٍّ صغير، أو من أصيبوا بالصرَع، أو حتى لدى الأشخاص الذينَ يتعاطونَ الكُحول أو المخدِرات المُهلوِسَة.

علاج اللاكتريا السريرية:

لوحٓظَ خلالَ بعضِ الدراسات التي تتضمّنُ مراجعةً للحالاتِ التي عانت من اللاكتيريا السريريّة أنّ هذهِ المتلازِمة تظهرُ لدى الأشخاص الذينَ يعانونَ مشكلاتٍ أخرى أيضًا، مثل اضطراباتِ المِزاج، والفِصام، والاضطراباتِ الذُهانيّة المختلِفة، لذلك قد يُستخدَم في علاجِ اللاكتريا السريريّة أنواعٌ مختلفةٌ من العلاج بالاعتمادِ على الحالةِ التي يعانيها المُصاب، ومن الخياراتِ المطروحةِ في هذا السياق:

مضاداتُ الذُهان (Antipsychotic medications): قد تكونُ فعّالة في علاجِ هذهِ المتلازِمة.

مضاداتُ الاكتئاب (Antidepressants): قد تفيدُ في حالاتِ الاكتِئاب.

منظِّماتُ المِزاج: تُستخدم في حالاتِ الهَوَس.

العلاجُ النفسي: فقد يوصَى بالعلاجِ النفسي لحالاتِ اللاكتريا السريريّة، مثلُ العلاجِ المعرفيِّ السلوكي (Cognitive behavioral therapy)،‏ الذي يستهدِف ما يُعرَفُ بالانحيازِ المعرفي (Cognitive bias) أو اللاعقلانيَّة الناجِمة عن الانحرافِ في اتخاذِ الأحكام، كذلك مساعدَةُ المرضى على إيجادِ تفسيراتٍ بديلة لتجارُبِهم غيرَ الطبيعيّة أو تأثيراتِها السلبيَّة.

تطرّقَت إحدى الدراسات إلى ضرورةِ البحثِ عن المشكلةِ العصبيّة التي أدّت إلى تطوّرِ أعراضِ اللاكتريا السريريّة، ولكن من غيرِ المعروف ما إذا كانَ علاجُ المشكلاتِ الأخرى الكامِنة قد يساعِد على تحسُّن الأعراض أو منعِ ظهورِها.

إنَّ اللاكتريا السريريّة من المشكلاتِ التي قد تظهرُ لدى البعضِ ممّن يعانونَ مشكلاتٍ عقليّة أخرى، أو يتناولونَ أدويةً معيّنة، أو لديهِم مشكلاتٌ تثيرُ لديهِم أوهامَ التحوُّل إلى ذِئب، خاصةً ممن لديِهم معتقداتٌ خاصّة بشأنِ وجودِ المستذئِبين، ومع ذلك، يتمكَّنُ الطبيب من تشخيص الحالة، ومعرِفَة ما يعانيه الشخص تحديدًا، ووصفِ الأدوية التي تُساهِم في السيطرةِ على أعراضِه وتخفيفِ حِدتِها، لذلك يوصَى بمراجَعة الطبيب عندَ ملاحظةِ ظهورِ أيّةِ علامات أو أعراض تدلُّ على وجودِ أوهامٍ بشأنِ التحوُّل إلى حيوان أو ذِئب؛ للتعامُل مع المشكِلة في أقربِ فُرصَةٍ مُمكنة. 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى.

المراجع:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top